الآية رقم (82) - وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ

﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ﴾: فبعد أنْ سخَّر الله سبحانه وتعالى له الرّيح سخَّر له الشّياطين.

﴿مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾: والغَوْصُ: النّزول إلى أعماق البحر؛ ليأتوه بكنوزه ونفائسه وعجائبه الّتي ادّخرها الله سبحانه وتعالى في البحر.

﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ﴾: أي: ممّا يُكلِّفهم به سليمان عليه السّلام من أعمال شاقّة لا يقدر عليها الإنسان، وقد شُرِحَت هذه الآية في موضع آخر: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾[سبأ: من الآية 13]، فأدخل مرادات العمل في مشيئة سليمان عليه السّلام، والمحاريب جمع محراب، وهو مكان العبادة كالقِبْلة مثلاً، والجِفَان: جمع جَفْنة، وهي القَصْعة الكبيرة الواسعة الّتي تكفي لعدد كبير، والقدور الرّاسيات؛ أي: الثّابتة الّتي لا تنقل من مكان لآخر وهي مبنيّة، أمّا التّماثيل فهي معروفة، والموقف منها واضح منذ زمن إبراهيم عليه السّلام حينما كسَّرها ونهى عن عبادتها، وهذا يردُّ قول مَنْ قال بأنّ التّماثيل كانت حلالاً، ثمّ فُتِن النّاس بها، فعبدوها من غير الله عزَّ وجلّ فَحُرِّمَت، فكيف نخرج من هذا الموقف؟ وكيف يمتنّ الله سبحانه وتعالى على نبيّه سليمان عليه السّلام أن سخّر له مَن يعملون التّماثيل وهي مُحرَّمة؟ نقول: كانوا يصنعون له التّماثيل لا لغرض التّعظيم والعبادة، إنّما على هيئة الإهانة والتّحقير، فيجعلونها على هيئة رجل جبّار، أو وحش مفترس يحمل جزءاً من القصر أو شرفة من شرفاته؛ أي: أنّها ليست على سبيل التّقديس.

﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾: حافظين للنّاس المعاصرين لهذه الأعمال يروْنَ البشر، والبشر لا يرَوْنَهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: من الآية 27]، أمّا سليمان عليه السّلام فكان يرى الجنَّ، ويراقبهم وهم يعملون له، وفي قصّته: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ [سبأ: من الآية 14]، وفي هذا دليل على أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب؛ لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: من الآية 14]، ويُقال: إنّ سليمان عليه السّلام بعد أنْ امتنَّ الله سبحانه وتعالى عليه، وأعطاه مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده، أخذ هؤلاء الجنّ وحبسهم في القماقم حتّى لا يعملوا لأحدٍ غيره. هذه لقطة من قصّة سليمان عليه السّلام، ينتقل السّياق منها إلى أيّوب عليه السّلام:

«وَمِنَ الشَّياطِينِ» متعلقان بفعل محذوف تقديره وسخرنا

«مِنَ» اسم موصول في محل نصب مفعول به للفعل المحذوف سخرنا أو هي في محل رفع مبتدأ مؤخر ومن الشياطين متعلقان بخبر مقدم والجملة معطوفة على ما سبق

«يَغُوصُونَ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة لا محل لها

«لَهُ» متعلقان بالفعل السابق

«وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا» مضارع وفاعله ومفعوله المطلق والجملة معطوفة

«دُونَ» ظرف متعلق بصفة لعملا

«ذلِكَ» ذا اسم إشارة في محل جر مضاف إليه واللام للبعد والكاف للخطاب

«وَكُنَّا» كان واسمها

«لَهُمْ» متعلقان بحافظين

«حافِظِينَ» خبر كنا المنصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والجملة معطوفة