الآية رقم (7) - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ﴾: هذه صيغة سؤال لن تكون إجابته إلّا الإقرار، فلا أحد أظلم ممّن افترى على الله عز وجلَّ الكذب؛ لأنّه ظلم نفسه وظلم أمّته، وأوّل ظلم النّفس أن يرتضي لها حياة زائلة وأن يترك حياة أبديّة، وأمّا ظلمه للنّاس؛ فلأنّه سيأخذ أوزار ما يفعلون؛ لأنّه قد افترى على الله عز وجلَّ الكذب.

﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ﴾: أي: لا أحد أظلم، والظّلم: نقل الحقّ من صاحبه إلى غيره، والظّلم قد يكون كبيراً وعظيماً، عندما يكون في القمّة، في العقيدة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان: من الآية 13]، وقد يكون الظّلم بين البشر.

﴿مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ﴾: الافتراء: هو كذب متعمّد؛ لأنّ الإنسان قد يكذب حين يُخبِر على مقتضى علمه بينما الواقع خلاف ما يعلم، ولكن عندما يتقصّد الكذب فهو افتراء، ففي قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ﴾ تحذير واضح ألّا يختلق أحد على الله عز وجلَّ شيئاً لم ينزل به رسول أو كتاب، فمن يفتري على الله جل جلاله الكذب ظلم نفسه، يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ﴾[طه]، فقد خسر من افترى على الله عز وجلَّ كذباً، فهو سيستأصله بعذاب الدّنيا قبل عذاب الآخرة.

﴿وَهُوَ يُدۡعَىٰٓ إِلَى ٱلۡإِسۡلَٰمِۚ﴾: فهُوَ يُدْعَى إلى الإيمان، وإلى الدّين القويم، ويُدعى إلى الحقائق والخير، ومع ذلك فهو يفتري على الله عز وجلَّ الكذب، ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾[النّحل]، ولا يتّصف مؤمن بكذب أبداً، عن عبد الله بن جراد أنّه سأل النّبيّ ﷺ، فقال:  يا نبيّ الله هل يزني المؤمن؟ قال: «قد يكون ذلك»، قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: «قد يكون ذلك»، قال: هل يكذب؟ قال: «لا»، ثمّ أتبعها نبيّ الله ﷺ حيث قال هذه الكلمة: «﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾»([1])، فالصّدق هو الخصلة الّتي لا يمكن لمؤمن أن يتنحّى عنها؛ لأنّه لو تنحّى عنها فهذا يعني التّنحّي عن الإيمان، فالصّدق هو جامع الخير، وعليه تدور الحركة النّافعة في الكون، أمّا الكذب فإنّما ينشأ عنه الفساد، وهو الّذي يخلّ بحركة الحياة، وهو أبعد الصّفات عن المؤمن، لماذا؟ قال العلماء: لأنّ الكذب يخالف الواقع ويقلب الحقائق، والمؤمن لا يكذب؛ لأنّه ينطق بأنّه: لا إله إلّا الله، فلا يجوز له أن ينطق بعد كلمة الصّدق الأساسيّة بأيّ كلمة كذب، ورسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً»([2])، وإذا كان الكذب على النّاس بهذه المنزلة الخطرة فما بالكم بالكذب على الله عز وجلَّ؟ ولكن من هم الّذين يفترون على الله سبحانه وتعالى الكذب؟ هؤلاء الّذين يأخذون التّحليل والتّحريم مهنة لهم من غير الله سبحانه وتعالى، يقول جلَّ جلاله: ﴿وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلࣱ وَهَـٰذَا حَرَامࣱ لِّتَفۡتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ ۝١١٦ مَتَـٰعࣱ قَلِیلࣱ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾ [النّحل]، ونحن نأخذ قول الحقّ سبحانه وتعالى في سياقه من سورة الصّفّ الّتي حدّثتنا عن مواكب رسالات متتالية، سيّدنا موسى وسيّدنا عيسى عليهما السّلام ثمّ خاتم الأنبياء سيّدنا محمّد ﷺ، وكأنّ الآية تلفت نظرنا إلى أنّ من افترى على الله عز وجلَّ الكذب هنا هم أتباع موسى عليه السلام من اليهود؛ لأنّ الآية بعدها: ﴿وَهُوَ يُدۡعَىٰٓ إِلَى ٱلۡإِسۡلَٰمِ﴾، فأحبار اليهود بدلاً من أن يستجيبوا لمن يدعوهم إلى الإسلام تراهم يفترون على الله عز وجلَّ الكذب، ويدّعون أنّ القرآن الكريم ليس وحياً من عنده عز وجلَّ، وأنّه من تأليف محمّد رسول الله ﷺ، وهي الفرية الّتي ذكرها الله سبحانه وتعالى عدّة مرّات في القرآن الكريم على لسان اليهود.

﴿وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾: فهم ظالمون لأنفسهم، فقد افتروا على الله سبحانه وتعالى الكذب، وظالمون لمن كانوا سبباً في ضلالهم، فهم اختاروا الظّلم، فلا يمكن أن تكون لهم الهداية، والهداية هنا ليست هداية الإرشاد والبيان والدّلالة، فهذا النّوع من الهداية كفله الله سبحانه وتعالى لخلقه كلّهم، بل هي هداية المعونة.

([1]) كنز العمّال: ج3، الكتاب الثّالث في الأخلاق، الأخلاق المذمومة، الحديث رقم (8995).

([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الأدب، باب قول اللّه I: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التّوبة] وما ينهى عن الكذب، الحديث رقم (6094).

«وَ» الواو حرف استئناف

«مَنْ أَظْلَمُ» مبتدأ وخبره والجملة استئنافية لا محل لها

«مِمَّنِ» متعلقان بأظلم

«افْتَرى» ماض فاعله مستتر والجملة صلة

«عَلَى اللَّهِ» متعلقان بالفعل

«الْكَذِبَ» مفعول به

«وَهُوَ» مبتدأ

«يُدْعى» مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر

«إِلَى الْإِسْلامِ» متعلقان بالفعل والجملة الفعلية خبر هو والجملة الاسمية حال.

«وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» سبق إعراب مثيلها

{وَمَنْ أَظْلَمُ} … لَا أَحَدَ أَشَدُّ ظُلْمًا، وَعُدْوَانًا.

{افْتَرَى} … اخْتَلَقَ.

{يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ} … يُدْعَى إِلَى الدُّخُولِ فِي الإِسْلَامِ.