الآية رقم (13) - وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ

﴿ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾: كلمة: ﴿ ذَرَأَ ﴾ تعني أنّه خلق خَلْقاً يتكاثر بذاته، إمّا بالحَمْل للأنثى من الذَّكَر، في الإنسان أو الحيوان والنّبات، وإمّا بواسطة تفريخ البيض كما في الطّيور، وهكذا نفهم الذَّرْءَ بمعنى أنّه ليس مطلقَ خَلْق، بل خلق بذاته في التّكاثر بذاته، والحقّ سبحانه وتعالى قد خلق آدم عليه السلام أوّلاً، ثمّ أخرج منه النّسل ليتكاثر النّسلُ بذاته حين يجتمع زوجان وينتجان مثيلاً لهما، ولذلك قال الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: من الآية 14]، وهكذا شاء الحقّ سبحانه وتعالى أن يفيض على عباده بأن يُعطِيهم صفة أنّهم يخلقون، ولكنّهم لا يخلقون كخَلْقه، فهو قد خلق آدم عليه السلام من عدمٍ ثمّ أوجدهم من نسله، والبشر قد يخلقون بعضاً من مُعِدّات وأدوات حياتهم، لكنّهم لا يخلقون كخَلْق الله عز وجل، فهم لا يخلقون من معدوم، بل من موجود، والحقّ سبحانه وتعالى يخلق من المعدوم مَنْ لا وجود له، وهو بذلك أحسَنُ الخالقين.

وهنا يقول الحقّ سبحانه وتعالى:

﴿ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾: أي: ما خلق لنا من خَلْق متكاثر بذاته تختلف ألوانه، واختلاف الألوان وتعدُّدها دليلٌ على طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى في أنّ الكائنات لا تُخلَق على نَمَطٍ واحد، ويعطينا الله سبحانه وتعالى الصّورة على هذا الأمر في قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر]، وأنت تمشي بين الجبال، فتجدها من ألوانٍ مختلفة، وعلى الجبل الواحد تجد خطوطاً تفصل بين طبقاتٍ مُتعدّدة، وهكذا تختلف الألوان بين الجمادات وبعضها، وبين النّباتات وبعضها بعضاً، وبين البشر أيضاً، وإذا ما قال الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾، فلَنا أن نعرفَ أنّ العلماء هنا مقصودٌ بهم كُلّ عالِـم يقف على قضيّة كونيّة مَرْكوزة في الكون أو نزلتْ من الـمُكوِّن مباشرة، ولم يقصد الحقّ سبحانه وتعالى بهذا القول علماء الدّين فقط، فالمقصود هو كلّ عالـمٍ يبحث بحثاً ليستنبط به معلوماً من مجهول.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾: أي: يتذكّرون شيئاً مجهولاً بشيءٍ معلوم، لذلك لاحظنا نهاية الآيات على التّتالي، آية: ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وآية: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، وآية: ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾، هذه كلّها تدلّ دلالةً قاطعة على أنّ الإنسان مطلوبٌ منه أن يُعمل عقله وذهنه وفكره وأن يتدبّر، وألّا يأخذ الأمور بأنّها تلقين، وإنّما بالبحث والاستقراء والتّجريب والنّتائج، وأن يكون الإنسان عالماً بأسرار الكون كلّها؛ لأنّه من خلال هذه الأسرار يصل إلى عظمة وقدرة الله سبحانه وتعالى.

«وَما» الواو عاطفة وما موصولية

«ذَرَأَ» ماض فاعله مستتر

«لَكُمْ» متعلقان بذرأ

«فِي الْأَرْضِ» متعلقان بذرأ

«مُخْتَلِفاً» حال

«أَلْوانُهُ» فاعل مختلف

«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ» انظر إعراب آخر الآيتين السابقتين وهذه الآية مستأنفة.