﴿وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡ﴾: لأنّهم أعموا أنفسهم عن رؤية الحقائق ورؤية الآيات.
وفرْق بين سماع قضيّة الصّدق، وأنت خالي الذِّهْن، وبين أن تسمعها وأنت مشغول بنقيضها، فلكي يُثمِر السّماع ينبغي أنْ تستقبل الدّعوة بذهن خَالٍ، ثمّ تبحث بعقلك الدّعوة وما يناقضها، فما انجذبتَ إليه واطمأنّتْ إليه نفسك فأدخله، وهذه يُسمُّونها -حتّى في المادّيّات- نظريّة الحيّز؛ أي: أنّ الحيّز الواحد لا يتّسع لشيئين في الوقت نفسه، وسبق أنْ مثَّلْنا لذلك بالقارورة حين تملؤها بالماء، فلا بُدَّ أنْ يخرج منها الهواء أوّلاً على شكل فقاعات؛ لأنّ الماء أكثفُ من الهواء.
﴿إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ﴾: ولقائل أن يقول: ما دام تُسمِع مَنْ يؤمن بآياتنا، فما فائدة السّماع وهو مؤمن؟ نقول: الآيات ثلاثة مترتّبة بعضها على بعض، فأوّلها: الآيات الكونيّة العقديّة الّتي نشاهدها في الكون، ونستدلّ بها على وجود إله خالق قادر، فنسأل: مَنْ هذا الإله الخالق، فيأتي دور الرّسول الّذي يُبيِّن لنا، ويحلّ هذا اللّغز، ولا بُدَّ له من آيات تدلّ على صِدْقه في البلاغ عن الله تعالى هي المعجزة، فإنْ غفلنا عن الآيات الكونيّة ذكّرنا بها الرّسول، فقال: ومن آياته كذا وكذا، فإذا آمنّا بالآيات الكونيّة وآيات المعجزات، فعلينا أنْ نؤمن بآيات الأحكام الّتي جاءتْ بها معجزة النّبيّ ﷺ، فالحقيقة لا يمكن أن ينظر أو أن يسمع أو أن يرى الحقائق إلّا من آمن بهذه الآيات.
﴿فَهُم مُّسۡلِمُونَ﴾: أي: هم اختاروا طريق الاستسلام لأوامر الله تعالى.