يردُّ الحقّ سبحانه وتعالى على اعتراضهم على بشريّة الرّسول عليه السّلام وطلبهم أن يكون الرّسول ملكاً، كما قالوا في موضعٍ آخر: ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾[التّغابن: من الآية 6]، يعني: هم مثلنا، وليسوا أفضل منَّا، فكيف يهدوننا؟ وهل الرّسول يهديكم ببشريّته؟ أم بشيء جاءه من أعلى؟ هل منهجه من عنده؟ الرّسول ليس مُصلِحاً اجتماعيّاً، إنّما هو مُبلِّغ عن الله عزَّ وجلّ ربّي وربّكم، وقد سبقت السّوابق فيمَنْ قبلكم أن يكون الرّسول بشراً: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾، ولو أرسلنا إليهم ملَكَاً لجاءكم الرّسول مَلَكاً.
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾: وهم أصحاب الرّسالات السّابقة، ماذا أرسلنا إليهم أرِجالاً أم ملائكة؟ ذلك لأنّ المفروض في النّبيّ أن يكون قدوة لقومه وأُسْوة، مُبلِّغَ منهج، وأُسْوةَ سلوك، منهج يُطبِّقه على نفسه، فهو لا يحمل النّاس على أمرٍ هو عنه بنَجْوة، إنّما هو أُسْوتهم وقُدْوتهم، وشرطٌ أساسيٌّ في القدوة أنْ يكون من الجنس ذاته: المتأسِّي مع المتأسّى به.
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾: أي: إنْ كنتم في شكٍّ من هذه المقولة فاسألوا أهل الذّكر من السّابقين من أهل الكتاب.
﴿إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾: لأنّها مسألة عِلْمُها مشكوك فيه.