الآية رقم (107) - وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ

النّبيّ عليه السّلام خاتَم الرّسل، وبعثتُه للنّاس كافّة، وللزّمن كلّه إلى أنْ تقوم السّاعة، وقد جاء الرّسل السّابقون عليه لفترة زمنيّة محدّدة، ولقوم بعينهم، أمّا رسالة النّبيّ محمّد عليه السّلام فجاءتْ رحمةً للعالمين جميعاً؛ لذلك لا بُدَّ لها أنْ تتّسعَ لأقضية الحياة كلّها الّتي تعاصرها أنت وأنا ومن خَلَفُنا ومن أمامنا إلى يوم القيامة، فهي رحمة وعطاء عامّ وخير شامل.

ومعنى: العالمين، كُلُّ ما سوى الله عزَّ وجلّ: عالم الملائكة، وعالم الجنّ، وعالم الإنس، وعالم الجماد، وعالم الحيوان، وعالم النّبات، فرسالة محمّد عليه السّلام رحمةً لهم جميعاً، كيف؟ قالوا: نعم، رحمة للملائكة، فجبريل عليه السّلام كان يخشى العاقبة حتّى نزل على محمّد عليه السّلام قوله سبحانه وتعالى: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾[التّكوير]، فاطمأنّ جبريل عليه السّلام وأَمِن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للجماد؛ لأنّه أمرنا بإماطة الأذى عن الطّريق، وهو رحمة بالحيوان، وفي الحديث الشّريف: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ»([1])، وحديث المرأة الّتي دخلتْ النّار في هِرَّة حبستْها، فلا هي أطعمتْها وسقتْها، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاش الأرض، وحديث الرّجل الّذي دخل الجنّة؛ لأنّه سقى كلباً كان يلهث يأكل الثّرى من شدّة العطش، فنزل الرّجل البئر وملأ خُفَّه فسقى الكلب، فشكر الله له وغفر له؛ لأنّه نزل البئر وليس معه إناء يملأ به الماء، فاحتال للأمر، واجتهد ليسقي الكلب، وهكذا نالتْ رحمة الإسلام الحيوان والطّير والإنسان، ففي الدّين مبدأ ومنهج يُنظِّم كلّ شيء ولا يترك صغيرة ولا كبيرة في حياة النّاس؛ لذلك فهو رحمة للعالمين، فقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾: يعني أنّ كلّ ما يجيء به الإسلام داخل في عناصر الرّحمة.

(([1] صحيح البخاريّ: كتاب المزارعة، باب فضل الزّرع والغرس إذا أُكِلَ منه، الحديث رقم (2320).

«وَما» الواو استئنافية وما نافية

«أَرْسَلْناكَ» ماض وفاعله ومفعوله والجملة استئنافية

«إِلَّا» أداة حصر

«رَحْمَةً» مفعول لأجله

«لِلْعالَمِينَ» متعلقان برحمة