﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾: يقول سبحانه وتعالى: أنا قطعت عليهم الحجّة؛ لأنّني لو أهلكتُهم على فَتْرة من الرّسل لقالوا: لماذا لم تُبقِنا إلى أن يأتينا رسول؟ فلو جاءنا رسولٌ لآمنّا به قبل أن نقع في الذُّلِّ والخِزْي، فمعنى: ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبل أن يأتي القرآن الكريم لقالوا: ربّنا لولا أرسلتَ إلينا رسولاً لآمنّا به واهتدينا، وكما قال عنهم الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: من الآية 28]، إنّها مجرّد كلمة تنقذهم من الإشكال.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾: الذّلّ: ما يعتري الحييّ ممّا ينشأ عنه انكساره بعد أنْ كان متعالياً، والذّلّ يكون أوّلاً بالهزيمة، وأذلّ من الهزيمة الأَسْر؛ لأنّه قد يُهزم ثمّ يفِرُّ، وأذلُّ منهما القتل، فالذّلّ يكون في الدّنيا أمام المشاهدين له والمعاصرين لانكساره بعد تعاليه.
﴿وَنَخْزَى﴾: يعني: يُصيبنا الخزي، وهو تخاذل النّفس بعد ارتفاعها، ومن ذلك يقولون: أنت خزيت، يعني: كنت تنتظر شيئاً فوجدت خلافه، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: من الآية 194]، فإنْ عُجِّل لهم الذّلُّ في الدّنيا، فإنّ الخزي مُؤخَّر للآخرة حتّى تكون فضيحتهم على رؤوس الأشهاد.