نلحظ أنّ للعدد سبعة في هذه السّورة أسراراً يجب أن نتأمّلها، ففي استهلال السّورة ذكر تعالى سبعة أصناف: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾، وفي مراحل خَلْق الإنسان نجده مَرَّ بسبعة أطوار: سلالة من طين، ثمّ نطفة، ثمّ علقة، ثمّ مضغة، ثمّ عظاماً، ثمّ لحماً، ثمّ أنشأناه خَلْقاً آخر، وهنا يقول: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ﴾، وفي موضع آخر قال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطّلاق: من الآية 12]، فهذه سبعة للغاية، وسبعة للمغيَّا له، وهو الإنسان، وسبعة للسّموات والأرض المخلوقة للإنسان.
﴿طَرَائِقَ﴾: جمع طريقة؛ أي: مطروقة للملائكة، والشّيء المطروق ما له حجم يتّسع بالطَّرْق، كما تطرق قطعة من الحديد مثلاً، فانظر إلى السّماء واتّساعها، وقُلْ: سبحان مَنْ طرقها.
ونلحظ أنّ الحقّ تعالى لم يذكر هنا الأرض، لماذا؟ قالوا: لأنّ الأرض نقف عليها ثابتين لا نخاف من شيء، إنّما الخوف من السّماء أنْ تندكّ فوقنا؛ لذلك يقول تعالى بعدها: ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾، فلن نغفل عن السّماء من فوقكم، وسوف نُمسكها بأيدينا، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾[فاطر: من الآية 41]، ثمّ يعطينا الحقّ تعالى الدّليل الحسّيّ على هذه الآية، وكيف أنّ الله تعالى رفع السّماء فوقنا بلا عَمَد، ومثال ذلك الطّير يُمسكه الله تعالى في السّماء: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الملك: من الآية 19]، نعلم أنّ الطّير يطير في السّماء بحركة الجناحين الّتي تدفع الهواء وتقاوم الجاذبيّة فلا يسقط، كالسّبّاح الّذي يدفع بذراعيه الماء ليسبح، وإذا قبض الطّائر جناحيه يظلّ مُعلّقاً في السّماء فلا يسقط، فمَنْ يُمسِكه في هذه الحالة؟ هذه صورة نشاهدها، ولا يشكّ فيها أحد، فإذا قلت لكم: إنّي أمسك السّماء أن تقع على الأرض فصدّقوا وآمنوا، واستدلّوا على الغيب بالمشاهَد، وكأنّ الحقّ تعالى في قوله: ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾، يقول: اطمئنّوا إلى السّماء من فوقكم، فقد جعلتُ لها التّأمينات اللّازمة الّتي تُؤمِّن معيشتكم تحت سقفها، اطمئنّوا؛ لأنّها بأيدينا وفي رعايتنا، لكن، ما المراد بقوله: ﴿عَنِ الْخَلْقِ﴾، أهو الإنسان أم خَلْق السّماء؟ المراد: ما كُنَّا غافلين عن خَلْق السّماء، فبنيناها على ترتيبات ونظم تحميكم وتضمن سلامتكم.
﴿غَافِلِينَ﴾: الغفلة: تَرْك شيء؛ لأنّه غاب عن البال، وهذه مسألة لا تكون أبداً في حقّ الله عزَّ وجلَّ؛ لأنّه لا تأخذه سِنَة ولا نوم.