الآية رقم (5) - وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

قصّة سيّدنا موسى عليه السلام أكثر قصةٍ وردت في كتاب الله سبحانه وتعالى موزّعةً في كثيرٍ من السّور، وليس هناك سورةٌ تحمل اسم النّبيّ موسى عليه السلام، فقد عانى سيّدنا موسى عليه السلام مع شعب بني إسرائيل الّذين نزلت عليهم المعجزات، فعذّبوا الأنبياء وقتلوهم ومكروا بهم وحملوا رسالة الحقد على الإسلام في ثنايا جيناتهم، وقد قال سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ ]المائدة[، فهم الّذين كذّبوا وقتلوا وأجرموا بحقّ الأنبياء عليهم السلام.

وعندما يُخاطب المولى سبحانه وتعالى هؤلاء يقول: (يا بني إسرائيل)؛ أي اذكروا يا من أنتم من نسل إسرائيل -وهو يعقوب عليه السلام- بأنّه كان مؤمناً وتقيّاً وصالحاً، وأنّه كان نبيّاً، وأنتم على عكسه، فهو تقريعٌ، مثال: عندما تريد أن تقرّع الابن تقول: يا ابن فلان، يكون أبوه معروفاً بالصّلاح، ولنفرض أنّ الأب اسمه محمود ومشهور بين النّاس، فتقول له: يا ابن محمود، هل يُعقل هذا الكلام؟ يا ابن محمود، تعني أنّني أُقرّعك لا أمدحك، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى (يا بني إسرائيل)، من كثر ضلالاتهم وانحرافاتهم كما ذكر في القرآن الكريم.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾: أرسلنا موسى عليه السلام ومعه آياتٌ؛ أي معجزاتٌ كثيرةٌ، وكثرة المعجزات تبيّن أنّ القوم الّذين أُرسل لهم قوم لُججٍ وجدلٍ ومشكلات، وحين عدّد العلماء المعجزات الّتي جاءت مع موسى عليه السلام وجدها بعضهم تسع آيات، كما ورد في القرآن الكريم، ووجدها بعضهم الآخر ثلاث عشرة معجزة، وبعضهم أربع عشرة.. بالتّحقيق لمعرفة الأمر نجد أنّ القرآن الكريم ذكر تسع آيات، ونفرّق بين الآيات الّتي كانت مع سيّدنا موسى عليه السلام؛ أي المعجزات الّتي كانت لفرعون، والمعجزات الّتي جاءت لبني إسرائيل، فالعصا الّتي انقلبت حيّةً تسعى، واليد الّتي تضيء هي لفرعون، وعدّد القرآن الكريم الآيات الّتي جاءت مع موسى عليه السلام لفرعون بتسع آياتٍ، بقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾]النّمل: من الآية 12[، أمّا بقيّة الآيات الّتي جاء بها موسى عليه السّلام لبني إسرائيل فهي كثيرةٌ، مثل: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾]الأعراف: من الآية 171[، ومثل: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾]البقرة: من الآية 57[، لذلك أجمَلَ الحقّ سبحانه وتعالى الآيات الّتي جاءت مع موسى عليه السلام لقومه.

﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾: أي أعِد إلى بؤرة شعورهم ما كان من الذّاكرة، أيّام الله: المراد ما حدث في تلك الأيّام، ومثل هذه الأيّام الّتي كان فيها انتصارٌ لسيّدنا رسول الله ﷺ، وانتصارٌ لسيّدنا موسى عليه السلام على فرعون، وهنا التّذكير بتلك الأيّام الخاصّة بالوقائع الّتي حدثت للأقوام السّابقين؛ أي يذكّرهم موسى بقوم نوحٍ وعادٍ وثمود، فالحقّ سبحانه وتعالى أعلمهم بقصص الأقوام السّابقة، وما حدث مع كلّ قومٍ تجاه الرّسول الـمُرسَل من الله سبحانه وتعالى، أو أن يكون التّفكير في الأيّام الّتي أنعم الله عز وجل فيها على بني إسرائيل بنعمه، أو ابتلاهم فيها بما يؤلمهم.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾: الصّبّار: هو من يُكثر الصّبر على الأحداث، وهي كلمةٌ توحي بأنّ هناك أحداثاً مؤلمةً وقعت وتحتاج إلى الصّبر عليها، كما توحي كلمة شكور بحدوث نِعمٍ تستحقّ الشّكر، ونجد أنّ المؤمن يحتاج إلى أمرين: صبر على ما يؤلم، وشكر على ما يرضي، وحين تجتمع هاتان الصّفتان في مؤمنٍ يكون مكتمل الإيمان، وقد قال الحقّ سبحانه وتعالى: أنّ تلك الآيات هي أدلّةٌ توضّح الطّريق أمام المؤمن، وتعطي له العبرة؛ لأنّه حين يعلم تاريخ الأقوام السّابقة ويجد أنّ من آمن منهم قد عانى من بعض الأحداث المؤلمة، لكنّه نال رضى الله سبحانه وتعالى ونِعَمه، ومن كفر منهم قد تمتّع قليلاً ثمّ تلقّى نقماً وغضباً من الله عز وجل، فهكذا يُقبل المؤمن على تحمّل مشاقّ الإيمان؛ لأنّه يثق بأنّ الله جل جلاله لا يُضيع أجر مؤمنٍ، ولا بدّ لموكب الإيمان أن ينتصر، ولذلك فالمؤمن يصبر على المِحن، ويشكر على النّعم.

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا» اللام واقعة في جواب القسم وقد حرف تحقيق وجملة القسم لا محل لها وأرسلنا ماض وفاعله والجملة مستأنفة

«مُوسى» مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر

«بِآياتِنا» متعلقان بأرسلنا ونا مضاف إليه

«أَنْ أَخْرِجْ» أن مفسرة وفعل أمر فاعله مستتر

«قَوْمَكَ» مفعول به والكاف مضاف إليه والجملة تفسيرية لا محل لها

«مِنَ الظُّلُماتِ» متعلقان بأخرج

«إِلَى النُّورِ» متعلقان بأخرج

«وَذَكِّرْهُمْ» أمر فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة معطوفة

«بِأَيَّامِ» متعلقان بذكرهم

«اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه

«أَنْ» حرف مشبه بالفعل

«فِي ذلِكَ» ذا اسم إشارة واللام للبعد والكاف للخطاب متعلقان بالخبر المقدم

«لَآياتٍ» اللام المزحلقة وآيات اسم إن منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم والجملة تعليل لا محل لها

«لِكُلِّ» متعلقان بصفة

«صَبَّارٍ» مضاف إليه

«شَكُورٍ» صفة.