مرَّتْ بنا قصّة نبيّ الله صالح عليه السّلام مع قومه ثمود في سورة الشّعراء، وأعاد القرآن الكريم ذكر هذه القصّة هنا؛ لأنّه يقصُّ على رسول الله ﷺ من موكب الأنبياء ما يُثبِّت به فؤاده، كلّما تعرّض لأحداث تُزلزل الفؤاد، فيعطيه الله عزَّ وجلَّ النَّجْم من القرآن؛ أي: العدد من الآيات، بما يناسب الظّروف الّتي يمرُّ بها، وهذا ليس تكراراً للأحداث، إنّما توزيع للقطات، بحيث إذا تجمّعتْ تكاملتْ في بناء القصّة.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾: لا بُدَّ أنّه أرسل بشيء، ما هو؟
﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: لذلك سُمِّيت: (أنْ) التّفسيريّة، كما في قوله عزَّ وجلَّ: ﱣﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱢ [القصص: من الآية 7]، ماذا أوحينا؟ الجواب: ﱣﱒ ﱓﱔﱢ [القصص: من الآية 7].
﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾: الاختصام: أنْ يقف فريق منهم ضدّ الآخر، والمراد أنّ فريقاً منهم عبدوا الله عزَّ وجلَّ وأطاعوه، والفريق الآخر عارض وكفر بالله تعالى.
وقد وقف عند هذه الآية بعض الّذين يحبّون أنْ يتهجَّموا على الإسلام وعلى أسلوب القرآن الكريم، وهم يفتقدون الملَكة العربيّة الّتي تساعدهم على فَهْم كلام الله عزَّ وجلَّ، وإنْ تعلَّموها فنفوسهم غير صافية لاستقبال كلام الله تعالى، وفيهم خُبْث وسُوء نيّة، واعتراضهم أنّ: ﴿فَرِيقَانِ﴾ مثنّى، و: ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ دالّة على الجمع، فلماذا لم يَقُل: يختصمان؟ وهذه لغة القرآن الكريم في مواضع عدّة، ومنها قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا﴾[الحجرات: من الآية 9]، والقياس يقتضي أن يقول: اقتتلتا، لكن حين نتدبَّر المعنى نجد أنّ الطّائفة جماعة مقابل جماعة أخرى، فإنْ حدث قتالٌ حمل كُلٌّ منهم السّلاح، لا أن تتقدّم الطّائفة بسيف واحد، فهم في حال القتال جماعة، لذلك قال: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ بصيغة الجمع، أمّا في البداية وعند تقرير القتال فلكُلِّ طائفة منهما رأْيٌ واحد يعبّر عنه قائد هذه المجموعة، فهما في هذه الحالة مثنى، وهنا أيضاً: ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ﴾؛ أي: مؤمنون وكافرون، ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾؛ لأنّ كل فرد في هذه الجماعة يقف في مواجهة فرد من الجماعة الأخرى.
والله عزَّ وجلَّ لا يرسل الرّسل إلّا على فساد في المجتمع، فهناك مجتمع طمّ وعمّ فيه الفساد، والنّفوس الأمّارة بالسّوء الّتي أبت أن تأخذ بأيّ شيء من الصّلاح في هذا الكون هي الّتي كفرت بهذا النّبيّ، فالخصومة في الدّنيا بين مؤمن وكافر، أمّا في الآخرة فبيّن الكافرين بعضهم بعضاً، بين الّذين أَضَلُّوا والّذين أُضِلُّوا، بين الّذين اتَّبعُوا، والّذين اتُّبِعوا.