الآية رقم (37) - وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

لنلاحظ هنا اللّين وأدب الجدل عند موسى عليه السلام، فلم يردّ عليهم بالقسوة الّتي سمعها منهم، ولم يتّهمهم كما اتّهموه، إنّما ردّ بهذا الأسلوب اللَّيّن، وبهذا الإيحاء: ﴿وَبِّيٓ أَعۡلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ مِنۡ عِندِهِۦ وَمَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ﴾، ولم يقُلْ: إنّي جئت بالهدى.

﴿عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ﴾: الدّار: يعني: الدّنيا، وعاقبتها: تعني: الآخرة.

﴿إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾: سواء كنّا نحن أم أنتم، ولم يقُلْ: أنتم الظّالمون، لقد أطلق القضيّة، وترك للعقول أنْ تميّز.

وهذا الأدب النّبويّ في الجدل والحوار رأيناه في سيرة سيّدنا رسول الله ﷺ مع كفّار مكّة والمعاندين له، وقد خاطبه ربّه تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: من الآية 46]، وقال عزَّ وجل: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النّحل]، ونبيّنا ﷺ كان يقول: «اللّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»([1])، ورحم الله أمير الشّعراء شوقي الّذي صاغ هذه المسألة في عبارة موجزة، فقال: النُّصْح ثقيل فلا ترسله جبلاً، ولا تجعله جدلاً، وقال آخر: الحقائق مرّة فاستعيروا لها خفّة البيان.

([1]) شعب الإيمان: ج3، ص45، الحديث رقم (1375).