يذكّر الله عزَّوجل بني إسرائيل بنعمه ومننه وأفضاله عليهم، وقد فضّلهم ليس لأنّهم شعب الله المختار كما يزعمون، بل بكثرة ما ابتلوا وبقدر ما تاب عليهم وبكثرة ما أنزل عليهم من الأنبياء عليهم السلام. وقد كانوا مع سيّدنا موسى عليه السَّلام في الصّحراء حيث لا ماء ولا نبات، فظلّل الله سبحانه وتعالى عليهم الغمام ليقيهم من حرارة الشّمس القاسية حيث لم يكن لديهم ما يظلّلهم، فجاء الغمام رحمة من الله عزَّ وجل كما أنزل عليهم المنّ والسّلوى طعاماً يأتيهم من غير جهد منهم.
﴿الْمَنَّ﴾: نوع من الحلوى يشبه النّقط الحمراء تتجمّع عند الفجر على أوراق الشّجر وهو موجود على الأغلب في العراق، ويأتي النّاس في الصّباح الباكر ويفرشون الملاءات البيضاء تحت الشّجر ويهزّون الشّجر فينزل عليها المنّ، وطعمها حلو مثل العسل وهضمها سهل.
أمّا السّلوى: فنوع من الطّيور، يقال: إنّها طائر السّمّان، كانت تتجمّع أمامهم بكثرة فيأخذونها ويذبحونها ويأكلون لحمها.
وهذا الغذاء من الطيّبات كان يأتيهم بكلمة ﴿كُنْ﴾ وليس بأمر: افعل، والله سبحانه وتعالى يمنّ علينا غالباً بكلمة افعل: (ازرع، احرث، ابذر…) وهي من عطاء الله أيضاً، أمّا المنّ والسّلوى فقد رزقهم الله سبحانه وتعالى إيّاها بكلمة: ﴿كُنْ﴾، أي ليس مطلوباً منهم أن يفعلوا أيّ شيء للحصول عليها، فيصيبوها دون جهد.
﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾: إنّ من يجحد النّعمة لا يظلم الله، بل يظلم نفسه، أنت تظلم غيرك إن أنت جحدت نعمة قدّمها لك، لكنّك لا تظلم الله سبحانه وتعالىإذا جحدت نعمه؛ لأنّ الله عزَّوجل لا يحتاجك، بل أنت الّذي تحتاج الله سبحانه وتعالىفي الدّنيا وفي الآخرة، والإنسان يعيش في عالم أغيار متبدّل، اليوم هو في صحّة وغداً مريض، اليوم هو في غنى وغداً هو فقير، اليوم هو شابّ وغداً في شيخوخة، حيّ اليوم وغداً ميّت، والنّعمة لا تدوم لإنسان فإمّا أن يتركها أو تتركه، وليس هناك حلّ ثالث، وليس هناك إنسان لازمته النّعمة أبداً.
هل تستطيع أن تبقى شابّاً أو حيّاً أو صحيحاً دائماً؟ لا تستطيع، إذن أنت أغيار لا تستطيع أن تظلم الله عزَّوجل مهما جحدت، ولكنّك تظلم نفسك إن عصيت.