﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾: أي: صاروا شيعاً وأحزاباً وجماعات وطوائف، كما قال جلَّ جلاله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام: من الآية 159]، لماذا، لست منهم في شيء؟ لأنّهم يقضون على وحدة الأمّة، ولا يقضون على وحدة الأمّة إلّا إذا اختلفتْ، ولا تختلف الأمّة إلّا إذا تعدّدتْ مناهجها، هنا ينشأ الخلاف، أمَّا إنْ صدروا جميعاً عن منهج واحد فلن يختلفوا، وما داموا قد تقطّعوا أمرهم بينهم، فقد صاروا قِطَعاً مختلفة، لكلّ قطعة منهج وقانون، ولكلّ قطعة تكاليف، ولكلّ قطعة راية، وكأنّ آلهتهم متعدّدة، فهل سيُتركون على هذا الحال، أو أنّهم سيعودون إلينا في النّهاية؟
﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾: فأنتم أمّة واحدة في الخَلْق من البداية، وأمّة واحدة في المرجع وفي النّهاية، فلماذا تختلفون في وسط الطّريق؟ فالاختلاف ناشىء من اختلاف المنهج، وقد جاء النّبيّ عليه السّلام خَاتَماً للرّسالات، وجاءت شريعته جامعة لمزايا الشّرائع السّابقة كلّها، ومصدّقة بالشّرائع السّابقة كلّها، بل وتزيد عليها المزايا الّتي تتطلّبها العصور الّتي تلي بعثته عليه السّلام، فكان المفروض أن تجتمع الأمّة المؤمنة على ذلك المنهج الجامع المانع الشّامل، الّذي لا يمكن أن يُستدرك عليه، وبذلك تتحقّق وحدة الأمّة، وتصدر في تكليفاتها عن إله واحد، فلا يكون فيها مَدْخَل للأهواء ولا للسّلطات الزّمنيّة أو الأغراض الدّنيويّة، لذلك إذا تعدّدت الجماعات الّتي تقول بالإسلام وتفرّقت مع أنّ الله سبحانه وتعالى يطلب منهم أن يكونوا يداً واحدة، فالحقّ سبحانه وتعالى يقول لنبيّه عليه السّلام: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام: من الآية 159]، لماذا؟ لأنّ الله سبحانه وتعالى أمر بقوله عزَّ وجلّ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران: من الآية 103]، فالدّين يجمع ولا يُفرِّق، ولا يتفرّق الدّاعون لدعوة واحدة إلّا باتّباع الأهواء والأغراض، أمّا الدّين الحقّ فهو الّذي يأتي على هوى السّماء، موافقاً لما ارتضاه الله سبحانه وتعالى لخَلْقه. وعندما انفضَّ المؤمنون عن الأمر الجامع الّذي يجمعهم بأمر الله عزَّ وجلّ، انفضّت عنهم الوحدة، وتدابروا حتّى لم يَعُدْ يجمعهم حتّى قَوْلُ: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، وهذا ما نراه في الأمّة العربيّة والإسلاميّة المتشرذمة والمقطّعة، الّتي اتّبعت ما جاء به الغرب، ونقضت أوامر الله عزَّ وجلّ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[آل عمران: من الآية 103]، والله سبحانه وتعالى أمرنا أن نتمسّك بحبل الله الواحد، ولو تمسَّكنا به لَعُدْنا أمّة واحدة.
﴿إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾؛ أي: في الآخرة للحساب، على ما قدّم النّاس في هذه الحياة الدّنيا.