الآية رقم (20) - وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ

﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾: مادّة: فَقَدَ، الفاء والقاف والدّال، وكلّ ما يُشتقّ منها تأتي بمعنى: ضاع منه الشّيء، ومنه قوله عزَّ وجلَّ في قصّة إخوة يوسف: ﴿قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ﴾[يوسف]، فإنْ جاءت بصيغة: (تفقَّد) بالتّضعيف دلَّتْ على أنّ الشّيء موجود، وأنا أبحث عنه في مظانّه، وقوله: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾؛ أي: أنّ المسؤول أو المهيمن على شيء لا بُدَّ له من متابعته، وسليمان عليه السّلام ساعةَ جلس في مجلس العلم أو مجلس القضاء نظر إلى الحاضرين من مملكته، كأنّه المسؤول عن الجميع ويستعرض جنوده، وفي هذا إشارة إلى أنّه عليه السّلام مع أنّ هذا ملكه ومُسخَّر له ومُنقَاد لأمره، إلّا أنّه لم يتركه هَمَلاً دون متابعة.

لكن، لماذا تفقَّد الطّير بالذّات؟ قال العلماء: لأنّه أراد أنْ يقوم برحلة في الصّحراء، والهدهد هو الخبير بهذه المسألة؛ لأنّه يعلم المجاهيل، ويرى حتّى الماء في باطن الأرض، يقولون: كما يرى أحدكم الزّيت في وعائه، لذلك نرى أنّ من مميّزات الهدهد أنّ الله عزَّ وجلَّ جعل له منقاراً طويلاً؛ لأنّه لا يأكل ممّا على سطح الأرض، إنّما ينبش بمنقاره ليُخرج طعامه من تحت الأرض، ألَا تراه حين كلَّم سليمان عليه السّلام في دقائق العقيدة والإيمان بالله تعالى يقول عن أهل سبأ: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾[النّمل]، فاختار هذه المسألة بالذّات؛ لأنّه الخبير بها ورزقه منها، ولـمّا لم يجد سيّدنا سليمان عليه السّلام الهدهد في الحاضرين قال:

﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾: فساعةَ يستفهم الإنسان عن شيء يعلم حقيقته، فإنّه لا يقصد الاستفهام، إنّما هو يستبعد أنْ يتخلَّف الهدهد عن مجلسه، لذلك قال:

﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾، يعني: ربّما هو موجود، لكنِّي لا أراه، فلمّا دَقّق النّظر وتأكّد من خُلوِّ مكانه بين الطّيور، قال: ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾؟!

«وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ» ماض فاعله مستتر ومفعول به والجملة مستأنفة

«فَقالَ» الجملة معطوفة

«ما» اسم استفهام مبتدأ

«لِيَ» متعلقان بالخبر والجملة مقول القول

«لا أَرَى الْهُدْهُدَ» لا نافية والمضارع فاعله مستتر والهدهد مفعول به والجملة حالية

«أَمْ» حرف إضراب وتسمى منقطعة

«كانَ» ناقصة واسمها ضمير مستتر

«مِنَ الْغائِبِينَ» متعلقان بالخبر والجملة مقول القول