الآية رقم (4) - وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ

تُطلق الزكاة:

– أوّلاً على معنى: التّطهير، كما جاء في قول الحقّ تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾[التّوبة: من الآية 103]؛ لأنّ الغفلة قد تُصيب الإنسان حال جمع المال، فيخالط ماله ما فيه شبهة مثلاً، فيحتاج إلى تطهير، وتطهير المال يكون بالصّدقة منه، فطهّروا أموالكم بالزكاة والصّدقات.

– والزكاة بمعنى: النّماء، فبعد أن تُطهّر المال تُنمِّيه وتزيده، قال ﷺ: «مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ»([1])، كما جاء في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشّمس]، يعني: نمَّى ملَكة الخير فيها، ورقَّاها وصعَّدها بأن ينظر إلى العمل إنْ كان سينقص منك في الظّاهر، إلّا أنّه سيجلب لك الخير فيما بعد، فترتقي بذلك ملكَات الخير في نفسك، لذلك لـمّا تكلّم الله تعالى عن الرّبا، جمع المتناقضات في آية واحدة، فالرّبا يزيد المال، ويأخذ المرابي المئة مئة وعشراً، في حين تُنقص الزكاة من المال في الظّاهر، فالمئة بعد الزكاة تصبح سبعاً وتسعين ونصفاً، ثمّ تأتي الآية لتضع أمامك المقياس الحقيقيّ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾[البقرة: من الآية 276]، فالرّبا الّذي تظنّه زيادة هو مَحْقٌ، ودفع الزكاة الّذي تظنّه نقصاً هو بركة وزيادة ونماء، وفي آية أخرى يقول جلَّ جلاله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الرّوم]؛ أي: الّذين يضاعف الله تعالى لهم ويزيدهم.

وكما أمرنا ربّنا تعالى بالخشوع في الصّلاة أمرنا كذلك في الزكاة، فلم يقل: مؤدّون، ولكن قال: ﴿فَاعِلُونَ﴾، وهذه من تربية مقامات العبادة في الإنسان، فأنت حين تصلّي ينبغي أن تخشع، وتخضع في صلاتك لله عزَّ وجلَّ، وكذلك حين تُزكّي تُرقِّي ملكَة الخير في نفسك، فحين تعمل وتسعى لا تعمل على قَدْر حاجتك، وإنّما على قَدْر طاقتك، فتأخذ من ثمرة سَعْيك حاجتك، وفي نيّتك أن تُخرِج من الباقي زكاة مالك وصدقتك، فالزكاة في بالك وفي نيّتك بدايةً، فالإنسان عادة يسعى في الحياة من أجل أن يؤمّن المال لنفسه ولأسرته، لكنّ الله تعالى أراد من الإنسان عندما يسعى ليؤمّن المال أن يكون سعيه لتأمين زكاة المال أيضاً، وهذا هو معنى ﴿فَاعِلُونَ﴾؛ أي: أن تكون الزكاة في نيّتك فيبارك الله تعالى عملك ومالك، ويزيدك من فضله.

(([1] المعجم الأوسط: باب الألف، من اسمه أحمد، الحديث رقم (2270).

«وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ» الذين معطوف على ما سبق وهم مبتدأ خبره فاعلون والجار والمجرور متعلقان به والجملة صلة