الآية رقم (68) - وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا

وهنا قد يسأل سائل: أبعد هذه الصّفات كلّها لعباد الرّحمن ننفي عنهم هذه الصّفة: ﴿لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾، وهم مَا اتّصفوا بالصّفات السّابقة إلّا لأنّهم مؤمنون بالإله الواحد عزَّ وجلَّ؟ قالوا: هذه المسألة عقيدة وأساس لا بُدَّ للقرآن الكريم أن يكرّرها، ويهتمّ بالتّأكيد عليها.

ومعنى: ﴿لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾: ليس الأصنام والتّماثيل والحجارة والشّمس وغيرها؛ أي: أنّهم لا يدعون أصحاب الأسباب لمسبِّباتهم، وهذا هو الشّرك الخفيّ، كمن يعتقد أنّ فلاناً يضرّ وينفع، والله عزَّ وجلَّ هو الضّارّ والنّافع، أو كمن يتوكّل على الله تعالى وعلى فلان، فنقول له: انتبه، الأمر كلّه بيد الله تعالى، فقوله عزَّ وجلَّ: ﴿لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾؛ أي: لا يعتقدون أنّ هناك ضارّ ولا نافع إلّا الله عزَّ وجلَّ، ويمكن أن تكون هذه الآية للمفتونين في الأسباب الّذين ينتظرون منها العطاء، وينسْونَ المسبِّب عزَّ وجلَّ، وهذا هو الشّرك الخفيّ، يقول ﷺ: «الشِّرْكُ أَخْفَى فِي أُمَّتِي مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا»([1]).

﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾: سبق أنْ تحدّثنا عن الفرق بين الموت والقتل، وقلنا: إنّ كليهما تذهب به الحياة، لكن في الموت تذهب الرّوح أوّلاً، ثمّ تُنقض البنية بعد ذلك، أمّا في حالة القتل فتُنقض البنية أوّلاً، ثمّ يتبعها خروج الرّوح، فالموت بيد الله تعالى، أمّا القتل فقد يكون بيد البشر، وهنا نَهْي صريح عن هذه الجريمة؛ لأنّه ملعون مَنْ يهدم بنيان الله تعالى، ويقضي على الحياة الّتي وهبها الله عزَّ وجلَّ لعباده.

﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾: أي: حقّ يبيح القتل، كالقصاص من القاتل، ضمن الأنظمة والقوانين.

﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾: تحدّثنا عن هذه المسألة في أوّل سورة النّور، وقلنا: إنّ الإنسان الّذي كرَّمه الله عزَّ وجلَّ وجعله خليفة له في أرضه أراد له الطُّهْر والكرامة، وأنْ يسكن الدّنيا على مقتضى قانون الله تعالى، فلا يُدخِل في عنصر الحياة شيئاً يخالف هذا القانون؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ يريد أن يُبنى المجتمع المؤمن على الطُّهْر وعلى عناية المربِّي بالمربَّى، وعلى الفطرة السّليمة، وألّا يوجد في المجتمع شخص غير منسوب لأبيه الحقّ، من هنا نهى الإسلام عن الزّنا، وجعل من صفات عباد الرّحمن أنّهم لا يزنون، فالزّنا كما قال عزَّ وجلَّ عنه: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾[الإسراء: من الآية 32].

﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾: أثاماً، مثل: نكالاً وَزْناً ومعنىً، والآثام: عقوبة الإثم والجزاء عليه.

([1]) مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد: كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابٌ مِنْهُ فِي الرِّيَاءِ وَخَفَائِهِ، الحديث رقم (17668).

«وَالَّذِينَ» معطوفة على ما قبلها

«لا يَدْعُونَ» لا نافية ويدعون مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل

«مَعَ» ظرف متعلق بيدعون

«اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه

«إِلهاً» مفعول به

«آخَرَ» صفة

«وَلا يَقْتُلُونَ» الجملة معطوفة على لا يدعون

«النَّفْسَ» مفعول به

«الَّتِي» اسم موصول صفة

«حَرَّمَ اللَّهُ» الجملة صلة

«إِلَّا» أداة حصر

«بِالْحَقِّ» متعلقان بيقتلون

«وَلا يَزْنُونَ» الجملة معطوفة

«وَمَنْ» اسم شرط جازم

«يَفْعَلْ» مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وفاعله مستتر

«ذلِكَ» اسم الإشارة مفعول به

«يَلْقَ أَثاماً» فعل مضارع مجزوم جواب الشرط وفاعله مستتر ومفعول به وجملتا الشرط والجواب خبر من