الآية رقم (67) - وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾: الإسراف: تبديد ما تملك فيما عنه غَنَاء، فلا نقول: (مسرف) مثلاً للّذي يأكل ليحفظ حياته؛ لذلك يقول سيّدنا عمر رضي الله عنه لولده عاصم: كُلْ نصف بطنك، ولا تطرح ثوباً إلّا إذا استخلقْتَه، ولا تجعل رزقك كلّه في بطنك وعلى جسدك.

﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾: أي: بين الإسراف والتّقتير.

﴿قَوَامًا﴾: يعني: وسطاً؛ أي: أنّ الإنفاق وسط بين طرفين، وقوام الشّيء: ما به يقوم، والحياة كلّها تقوم على عمليّة التّوسُّط بين الإسراف والتّقتير، ويروى أنّ عبد الملك بن مروان لـمّا أراد أن يُزوِّج ابنته فاطمة من عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه اختبره بهذا السّؤال ليعرف ميزانه في الحياة: يا عمر، ما نفقتك؟ قال: يا أمير المؤمنين، نفقتي حسنة بين سيّئتين، ثمّ تلا هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾، فعلم الخليفة أنّ زوج ابنته يسير سَيْراً يضمن له ولزوجته مُقوّمات الحياة، ويضمن كذلك المقوّمات العليا للنّفس والمجتمع.

وسبق أن ذكرنا أنّ الإنسان الّذي ينفق دَخْله كلّه لا يستطيع أن يرتقي بحياته وحياة أولاده؛ لأنّه أسرف في الإنفاق، ولم يدّخر شيئاً ليبني مثلاً بيتاً، أو يشتري سيّارة.. إلخ، ومصيبة المجتمع أعظم في حال التّقتير، فمصلحة المجتمع أنْ تُنفق، وأن يكون الادّخار على قدر الحاجة، كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾[الإسراء: من الآية 29]، وهكذا جعل الله عزَّ وجلَّ لنا ميزاناً بين الإسراف والتّقتير؛ ذلك لأنّ المال قِوَام الحياة، والّذي يُقتِّر يُقتِّر على نفسه وعلى النّاس، فالتّقتير يكون بقدر، والإنفاق كذلك يجب أن يكون ضمن ضروريّات الحياة الّتي أرادها الله عزَّ وجلَّ، وخُتِمَتْ الآية السّابقة بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾[ [الإسراء: من الآية 29]، لما بدّدتَ من أموال لم ينتفع بها عيالك، ومحسوراً حينما ترى غيرك ارتقى في حياته وأنت لم تفعل شيئاً، فالإنسان ملومٌ إنْ أسرف، محسورٌ إنْ قتّر، والقوام في التّوسُّط بين الأمرين، وبالحسنة بين السّيّئتين، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ولذلك قالوا: خير الأمور الوسط.

«وَالَّذِينَ» عطف على الذين السابقة

«إِذا» ظرف يتضمن معنى الشرط

«أَنْفَقُوا» الجملة مضاف إليه

«لَمْ يُسْرِفُوا» لم جازمة ويسرفوا مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل والجملة لا محل لها جواب إذا

«وَلَمْ يَقْتُرُوا» معطوف على لم يسرفوا

«وَكانَ» كان واسمها مستتر

«بَيْنَ» ظرف متعلق بحال محذوفة

«ذلِكَ» اسم الإشارة مضاف إليه

«قَواماً» خبر كان والجملة معطوفة