﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾: هذه الآية تثبت صدق القرآن الكريم وإعجازه، وأنّ مَن يقول هذا الكلام هو الخالق جل جلاله، وحين نسمع كلمة (الأرض) فنحن نتعرّف على المقصود منها، ذلك أنّه ليس مع العين أَيْن.
﴿مَدَدْنَاهَا﴾: الـمدُّ هو الامتداد الطّبيعيّ لِمَا نسير عليه من أيِّ مكانٍ في الأرض، وهذه هي اللّفتة الّتي يلفتنا إليها الحقّ سبحانه وتعالى، فلو كانت الأرض مُربّعة، أو مستطيلة، أو مُثلّثة، لوجدنا لها نهاية وحَافّة، فلا يمكن عندها أن تقول: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾، لكِنّا حين نسير في الأرض نجدها مُـمّتدّة، ولذلك فهي لا بُدّ أن تكون مُدوَّرة، وهم يستدلّون في العلم التّجريبيّ على أنّ الأرض كُرويّة بأنّ الإنسان إذا ما سار في خطٍّ مستقيم؛ فلسوف يعود إلى النّقطة الّتي بدأ منها، ذلك أنّ مُنْحنى الأرض مصنوعٌ بدقّة شديدة قد لا تدرك العين مقدارَ الانحناء فيه ويبدو مستقيماً، فأثبت المولى سبحانه وتعالى قبل العلوم الحديثة كلّها بأنّ الأرض كرويّة بقوله: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾ يتقبّلها ويطيقها العقل البشريّ في ذلك الوقت، وعندما نقرأ القرآن الكريم في هذا الوقت نفهم بأنّ الأرض كرويّة.
﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾: وحين يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾، يعني أشياء تثبّتها، ولقائلٍ أنْ يتساءل: ما دامت الأرض مخلوقةً على هيئة الثّبات، فهل كانت تحتاج إلى مثبّتات؟ نقول: لا بدّ أنّ الحقّ سبحانه وتعالى قد خلقها مُتحرّكة وعُرْضة للاضطراب، فخلق لها الـمُثقِّلات، فهي كرويّة وتدور، فقد أثبتت هذه الآية حقيقتين علميّتين: التّكوير والدّوران، وهناك آيةٌ أخرى يقول فيها الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النّمل: من الآية 88]، ونفهم من هذا القول الكريم أنّ حركة الجبال ليست ذاتيّةً، بل تابعة لحركة الأرض، وشاء الله تبارك وتعالى أن يجعل الجبال رواسي مُثِّبتات للأرض كي لا تميدَ بنا، فلا تميل يَمْنة أو يَسْرة أثناء حركتها، فهذه الآية من الإعجاز العلميّ، وأيّ إنسانٍ يقرأ هذه الآية لا يستطيع إلّا أن يقول: سبحان الله.
﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾: وأنبت سبحانه وتعالى من الأرض كُلَّ شيءٍ موزون بدقّةٍ تُناسب الجوّ والبيئة، ويضمّ العناصر اللّازمة لاستمرار الحياة.