الآية رقم (39) - وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ

﴿وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ﴾: أي: تكبّروا دون حقّ، وبغير مبرّرات للكِبْر، فليس لديهم هذه المبرّرات؛ لأنّ الإنسان يتكبَّر حين تكون عظَمَته ذاتيّة فيه، أمّا العظمة المخلوقة له من غيره فلا يتكبّر بها، مَنْ يتكبّر يتكبَّر بشيء ذاتيّ فيه: الغِنَى، القوّة، الجاه، والسّلطان… إلخ، لذلك يكره الله تعالى المتكبّرين، ويقول في الحديث القدسيّ: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ»([1])، والمتكبّر في الحقيقة ناقصُ الإيمان؛ لأنّه لا يتكبَّر إلّا حين يرى النّاس جميعاً دونه، ولو أنّه استحضر كبرياء خالقه عزَّ وجل لاستحيا أنْ يتكبَّر أمامه، وهكذا كان استكبار فرعون وجنوده في الأرض بغير حقّ، أمّا إنْ كان الاستكبار من أجل حماية الضّعيف ليعيش في ظلاله فهو استكبار بحقّ، لذلك حين يصف الحقّ تعالى نفسه بأنّه العظيم المتكبّر، نقول: هذا حقّ؛ لأنّه حماية للنّاس جميعاً من أنْ يتكبَّر بعضهم على بعض.

﴿وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ إِلَيۡنَا لَا يُرۡجَعُونَ﴾: فاستكبارهم في الأرض جاء نتيجة ظنّهم بأنّهم لن يرجعوا إلى الله تعالى، وهكذا عبر الأزمان كلّها حتّى الآن، يعتقدون أنّه تعالى لم يخلقهم ويرزقهم، ولن يعودوا إليه، لكن هيهات، لا بُدَّ لهم رَجْعة، كما نقول: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾[البقرة: من الآية 156].

([1]) سنن أبي داود: كِتَاب اللِّبَاسِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكِبْرِ، الحديث رقم (4090).