الآية رقم (192) - وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

﴿وَإِنَّهُ﴾: على أيِّ شيء يعود هذا الضّمير؟ المفروض أن يسبقه مرجع يرجع إليه، وهو لم يُسبَق بشيء، تقول: جاءني رجل فأكرمتُه، فيعود ضمير الغائب في أكرمته على: (رجل)، وكما في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص]، فالضّمير هنا يعود على اسم الجلالة، مع أنّه متأخّر عنه، ذلك لاستحضار عظمته عزَّ وجلَّ في النّفس فلا تغيب، كذلك: ﴿وَإِنَّهُ﴾؛ أي: القرآن الكريم، وعرفناه من قوله عزَّ وجلَّ: ﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وقُدِّم الضّمير على مرجعه لشهرته وعدم انصراف الذِّهْن إلّا إليه، فحين تقول: ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾  [الإخلاص: من الآية 1]، لا ينصرف إلّا إلى الله تعالى، وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، لا ينصرف إلّا إلى القرآن الكريم.

﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: أي: أنّه كلام الله عزَّ وجلَّ لم أقلْهُ من عندي، خاصّة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسبق له أنْ وقف خطيباً في قومه، ولم يُعرف عنه قبل الرّسالة هذا.

﴿الْعَالَمِينَ﴾: كلّ ما سوى الله تعالى؛ لذلك كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، للإنس والجنّ والملائكة وغيرها من العوالم.

وليس القرآن الكريم وحده تنزيلَ ربّ العالمين، إنّما الكتب السّماويّة السّابقة كلّها كانت تنزيلَ ربّ العالمين، لكنّ الفرق بين القرآن الكريم والكتب السّابقة أنّها كانت تأتي بمنهج الرّسول فقط، ثمّ تكون له معجزة في أمر آخر تثبت صِدْقه في البلاغ عن الله تعالى، فموسى عليه السّلام كان كتابه التّوراة، ومعجزته العصا، وعيسى عليه السّلام كان كتابه الإنجيل، ومعجزته إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله تعالى، أمّا محمد صلى الله عليه وسلم فكان كتابه ومنهجه القرآن الكريم ومعجزته أيضاً، فالمعجزة هي عَيْن المنهج، لماذا؟ قال العلماء: لأنّ القرآن الكريم جاء منهجاً للنّاس كافّةً في الزّمان والمكان، فلا بدّ أن يكون المنهج هو عَيْن المعجزة، والمعجزة هي عَيْن المنهج، وما دام الأمر كذلك فلا يصنع هذه المعجزة إلّا الله عزَّ وجلَّ، فهو تنزيل ربّ العالمين، أمّا الكتب السّابقة فقد كانت لأمّة بعينها في فترة محدّدة من الزّمن، وقد نزلتْ هذه الكتب بمعناها لا بنصِّها، فالكتب السّابقة كتبت بعد الأنبياء، أمّا القرآن الكريم فهو بنصّه ومعناه من عند الله تعالى، فهو تنزيل ربّ العالمين.

«وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ» إن واسمها وخبرها واللام لام الابتداء والجملة مستأنفة

«رَبِّ» مضاف إليه

«الْعالَمِينَ» مضاف إليه