قلنا: إنّ سورة الأنبياء لا تذكر قصَصاً كاملة للأنبياء، إنّما تعطينا طَرَفاً منها، وهنا تذكر إسماعيل وإدريس وذا الكفل بالاسم فقط.
﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾: كأنّ الصّبر في حَدِّ ذاته حيثيّة يُرسل الله سبحانه وتعالى من أجلها الرّسول.
﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾: ولنتأمّل الصّبر عند إسماعيل عليه السّلام، الّذي وافق على أنْ يذبحه أبوه برؤيا رآها، فأيُّ صبرٍ أعظم من هذا؟ ثمّ يعيش في صِغَره إلى أن يكبر في وَادٍ غير ذي زرع، ويتحمّل مشاقّ هذه البيئة الجافّة المجْدِبة، ويخضع لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾[إبراهيم: من الآية 37]، وكأنّ في خروجه من هذه الأرض وطلبه لأرض أخرى فيها النّعيم والزّروع والثّمار تأبّياً على إقامة الصّلاة؛ لذلك نراه يُفضّل البقاء في هذا المكان، ويزهد في نعيم الدّنيا الّذي يتمتّع به غيره امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، وكانت النّتيجة أنْ أعطاه الله سبحانه وتعالى ما هو خَيْر من الزّروع والثّمار، أعطاه عطاءً يفخر به بين الأنبياء جميعهم، حيث جعل من نسله النّبيّ الخاتم محمّد بن عبد الله عليه السّلام، وأيُّ ثمرة أحسن من هذه؟
﴿وَإِدْرِيسَ﴾: وهو من الجيل الخامس من أولاد آدم عليه السّلام، وبعض العلماء يقولون هو أوزوريس، ونحن لا نقول إلّا ما قاله القرآن الكريم: (إدريس)، وأهل السّير يقولون: إنّ نبيّ الله إدريس عليه السّلام أوّل مَنْ علّمه الله سبحانه وتعالى غزل الصّوف وخياطة الملابس، وكانوا قبلها يسترون عوراتهم بقطع الجلود، وهو أوّل مَن استخدم النّجوم لمعرفة الاتّجاهات والأحوال، وأوّل مَنْ خطّ بالقلم، هذه يُسمُّونها: أوّليّات إدريس.
﴿وَذَا الْكِفْلِ﴾: الكِفْل هو الحظّ والنّصيب، فلماذا سُـمِّي بهذا الاسم؟ ذو الكفل هو ابن أيّوب عليه السّلام، ويظهر أنّ أولاد أيّوب كانوا كثيرين، ولكن اختصّ الله سبحانه وتعالى ذا الكفل عليه السّلام بالرّسالة، وكان هذا حظّه دون غيره من أبناء أيّوب؛ لذلك سُمِّي: ذو الكفل، وقد جاءت هذه المادّة (كَفَل) أيضاً في قوله الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾[الحديد: من الآية 28]، جاءت هذه الآية بعد الكلام عن عيسى عليه السّلام والّذين آمنوا به واتّبعوه، يقول جلَّ جلاله: يا مَنْ آمنتم بالرّسل السّابقين، وآخرهم عيسى عليه السّلام آمنوا بالرّسول الخاتم ليكون لكم كفلان؛ أي: نصيبان وحظَّان من رحمة الله عزَّ وجلّ.
﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾: فوصف الأنبياء كلّهم بالصّبر؛ لأنّهم تعرَّضوا لأنواع الاضطهاد والإيذاء والأهوال في سبيل دعوتهم، وصبروا على هذا كلّه.