﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ﴾ : يعني: غطّاهم واحتواهم؛ لذلك قال:
﴿كَالظُّلَلِ﴾ : جمع ظُلَّة، وهي الّتي تعلو الإنسان وتظلّله، ولا يكون الموج كذلك إلّا إذا علا عن مستوى الإنسان، وخرج عن رتابة الماء، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ [الأعراف: من الآية 171]، ونحن نشاهد هذه المظاهر إذا كنّا في عرض البحر، فنرى الموجة من بعيد أعلى منّا، وأنّها حتماً ستطمسنا، حتّى إذا ما وصلتْ إلينا شاهدنا فيها مظهراً من لطف الله سبحانه وتعالى بنا، حيث تتلاشى وتمرّ من تحتنا بسلام، وهذا شيء عجيب ونعمة تستوجب الشّكر، فالموج شيء مخيف؛ لذلك لـمّا غشيهم وأيقنوا الهلاك:
﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ : دعوا الله سبحانه وتعالى مع أنّهم كافرون به، لكنّ المرء في مثل هذه الحال لا يخدع نفسه ولا يكذب عليها، فلم يدعوا اللّات أو العزّى، ولم يقُلْ أحد منهم: يا هُبَل، إنّما دعوا الله سبحانه وتعالى بإخلاص له جلَّ جلاله ، فالتّديُّن طَبْع في النّفس، لكنّ التّديُّن الحقّ له مطلوبات ومنهج بـ: افعل كذا، ولا تفعل كذا، وهذا يريد أنْ يُرضي نفسه بأن يكون مُتديّناً، لكن يريد أنْ يريح نفسه من مطلوبات هذا التّديّن، فماذا يفعل؟ يلجأ إلى عبادة إله لا مطلوبات له، وقد توفّرت هذه في عبادة الأصنام.
﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ : وكان ينبغي عليهم بعد أنْ نجّاهم وأسعفهم أن يؤمنوا به، وأنْ يطيعوه، وأن تؤثّر فيهم هذه الهزّة الّتي زلزلتهم، إلّا أنهم عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والإعراض عن الله سبحانه وتعالى، والمقتصد هو البين بين، تأخذه الأحداث والخطوب، فتردُّه إلى الله عزَّ وجلَّ حال الكرب والشّدّة، لكنّه إذا كُشف عنه تردّد، وضعفتْ عنده هذه الرّوح.
﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ : فمنهم من بهت كفره حينما تنبّه في الوازع الإيمانيّ، لكنّه لـمّا نجا غرَّته الدّنيا من جديد، ومنهم الجاحد الختَّار؛ أي: الغادر.