الآية رقم (49) - وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ

﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾: وهنا تأكيدٌ لما تقدّم من الأمر بذلك. فقد كان اليهود يطلبون من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحكاماً مخففةً عن الحكم الشّرعيّ، ويحاولون الاحتيال على ما جاء في التّوراة وتحريفها.

﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾: أي احذر أعداءك اليهود أن يدلّسوا عليك الحقّ، فلا تغترّ بهم، فإنّهم كذبةٌ كفرةٌ خونةٌ.

﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾: عمّا تحكم به بينهم من الحقّ، وخالفوا شرع الله سبحانه وتعالى.

﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾: فاعلم أنّ ذلك كائنٌ عن قدر الله سبحانه وتعالى وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما عليهم من الذّنوب السّالفة الّتي اقتضت إضلالهم ونكالهم.

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾: كثيرٌ من النّاس خارجون عن طاعة ربّهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف]، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: من الآية 116].

وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ: الواو مستأنفة وأن الناصبة وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف: ووصيناك بالحكم، والظرف متعلق بالفعل قبله

بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ: سبق إعرابها في الآية السابقة

وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ: الهاء مفعول الفعل احذر، أن يفتنوك المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض: احذر الفتنة

عَنْ بَعْضِ: متعلقان بالفعل قبلهما «ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ» أنزل فعل ماض تعلق به الجار والمجرور ولفظ الجلالة فاعله واسم الموصول في محل جر بالإضافة، والجملة صلة الموصول لا محل لها

فَإِنْ تَوَلَّوْا: فعل ماض في محل جزم بإن الشرطية والواو فاعله والجملة مستأنفة بعد الفاء الاستئنافية

فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ: أنَّ والفعل يصيب بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به للفعل يريد والله لفظ الجلالة فاعله. أنما كافة ومكفوفة لا عمل لها وقد سدت مسد مفعولي اعلم قبلها، وجملة اعلم في محل جزم جواب الشرط ببعض متعلقان بيصيبهم وذنوبهم مضاف إليه

مِنَ النَّاسِ: من الناس متعلقان بخبر إنَّ

لَفاسِقُونَ: أو بمحذوف صفة لكثير واللام مزحلقة في خبر إنَّ وكثيرا اسمها.

أَنْ يَفْتِنُوكَ: لئلا يضلوك عنه أو يميلوا بك من الحق إلى الباطل

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن الحكم المنزل وأرادوا غيره

فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ: أي يعاقبهم في الدنيا بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه، فوضع بعض ذنوبهم موضع ذلك، وأراد أن لهم ذنوباً جمة كثيرة العدد، وأن هذا الذنب مع عظمه بعضها وواحد منها. وهذا الإبهام لتعظيم التولي عن حكم الله وإسرافهم في ارتكابه.

لَفاسِقُونَ: لمتمردون في الكفر معتدون فيه، يعني أن التولي عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر