الآية رقم (106) - وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

المقصود في هذه الآية الثّلاثة الّذين سيخصّهم القرآن الكريم بآياتٍ أخرى.

﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ﴾: قُرِئت: مُرجَون أو مُرجَؤون، والإرجاء هو التّأخير؛ أي أنّ الحكم فيهم لم يظهر بعد.

﴿لِأَمْرِ اللَّهِ﴾: لبيان حكم الله سبحانه وتعالى  فيهم؛ لأنّه عز وجل أراد أن يبيّن للنّاس أمراً لحكمةٍ، فكونك تأخذ المجرم وتعزله عن المجتمع وتحبسه في مكانٍ فهذا جائزٌ، لكنّ النّكال في أن تدعه طليقاً وتسجن المجتمع عنه، وهكذا تتجلّى عظمة الإيمان، لذلك أصدر : أمراً بأن يقاطع النّاس هؤلاء الثّلاثة، فلا يكلّمهم ولا يسأل عنهم أحدٌ حتّى من الأقرباء، ولا يختلط بهم أحدٌ في السّوق أو المسجد، والتّشكيك هنا بأنّهم مرجون لأمر الله سبحانه وتعالى  لم يبتّ فيهم بحكمٍ أو يبيّن هذا الحكم، هل هو عفوٌ أو عقوبةٌ؟ وعندما يريد سبحانه وتعالى  أن يعذِّب أو أن يبيّن حكم العذاب، فإنّه يبيّن معه دائماً حكم التّوبة، وكان الحكم فيما يتعلّق بهذا الأمر على قسمَين؛ قومٌ عجّل الله سبحانه وتعالى  الحكم فيهم، وقومٌ آخرون ترك أمرهم ليصفّيه تصفيةً تؤدّي إلى التّربية في المجتمع بشكلٍ عامٍّ من موضوع النّفاق، وقد استمرّت هذه المسألة أكثر من خمسين يوماً ليتأدّبوا الأدب الّذي يتأدّب معه المجتمع بمجمله، وبعد ذلك نزلت الآيات المتعلّقة بالتّوبة عليهم، وهنا ترك المولى سبحانه وتعالى  هذا الأمر فقال: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، الحكم بالنّسبة لله جلّ وعلا مبتوتٌ، لكنّه سبحانه وتعالى  أراد أن يؤخّر بيان الحكم المتعلّق بهم تربيّةً للمجتمع، وحتّى يكونوا قد تابوا توبةً نصوحةً، وقد قبل الله سبحانه وتعالى  منهم هذه التّوبة، وهو سبحانه وتعالى  يفعل ما يشاء، ويتوب على من يشاء، ويُعذِّب من يشاء.

﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾: عليمٌ بمن يستحقّ أن يتوب عليه، وبمن يستحقّ أن يعذّبه، وهو حكيمٌ يضع الأمور في نصابها.

كان المولى سبحانه وتعالى  في الآيات الّتي سبقت يفضح المنافقين الّذين لعبوا دوراً خطراً في المجتمع الإيمانيّ، وخصوصاً عقِب غزوة تبوك وما يتعلّق بها، فقد كان لها أثرٌ بالغٌ في النّفوس؛ لأنّها فضحت كثيراً من المنافقين قال جل جلاله:﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ وهذه الغزوة كانت أوّل لقاءٍ يجري على حدود المدينة بين المسلمين والرّوم الّذين حشدوا جيوشهم على حاضرة المدينة المنوّرة، وخرج النّبيّ ﷺ مع كبار الصّحابة لردّ عدوانهم، فلم يكن عليه الصّلاة والسّلام معتدياً في يومٍ من الأيّام، وإنّما كان يدفع العدوان في أيّ موقعةٍ أو غزوةٍ تمّت عبر تاريخه فقد أُرسل رحمةً وعطاءً وخيراً للعالمين.

«وَآخَرُونَ»: الواو استئنافية ومبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم .

«مُرْجَوْنَ»: صفة لآخرون.

«لِأَمْرِ»: متعلقان بمرجون.

«اللَّهِ»: لفظ الجلالة مضاف إليه.

«إِمَّا»: أداة شرط وتفصيل.

«يُعَذِّبُهُمْ»: مضارع فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة خبر.

«وَإِمَّا»: معطوفة على ما سبقها.

«يَتُوبُ»: مضارع فاعله مستتر.

«عَلَيْهِمْ»: متعلقان بيتوب.

«وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»: مبتدأ وخبراه والجملة مستأنفة.

وَآخَرُونَ: من المتخلفين.

مُرْجَوْنَ: مؤخرون عن العقوبة، وموقوف أمرهم.

لِأَمْرِ اللَّهِ: في شأنهم بأن يأمر فيهم بما شاء.

إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ: بأن يميتهم بلا توبة وإما يتوب عليهم.

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه حَكِيمٌ في صنعه.