الآية رقم (11) - هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ

﴿ هَمَّازٍ: ويقول تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة]، والهمزة هو الّذي يسخر من النّاس ولو بالإشارة، يرى إنساناً مُصاباً بعاهةٍ في قدمه يمشي وهو يعرج فيحاول أن يقلّده بطريقة تثير السّخرية، إمّا بالإشارة وإمّا بالكلام، وهناك همز وهُمُزة، فالهمز والاستهزاء والسّخرية من النّاس علامة عدم الإيمان، والهمّاز مُغتَاب للنّاس، فالهمز الاغتياب وذكر النّاس بما يكرهون، فيأكل لحومهم، ويطعن في أعراضهم ويُعيبهم، فهو فتّان طعّان يلوي شدقيه من وراء النّاس، والمراد كسر أعراض النّاس والغضّ منهم والطّعن فيهم.

فالهمزة هو مَن يعيب في الآخرين عيباً خفيّاً، ويسخر منهم خُفية، ويكون ذلك بإشارةٍ من عينه، أو بأيّ حركةٍ من جوارحه، أمّا اللّمزة العيّابون في غيرهم في حضورهم، وتُطلَق على مَن يعيب كثيراً في النّاس، فهناك القويّ الّذي يكشف العيوب بصراحة ووقاحة وهو اللّمّاز، أمّا الضّعيف فهو يُعيب خُفيةً وهو الهمّاز، وقد كان الوليد بن المغيرة يفعل ذلك وهو من عادة السّقّاط، ويدخل فيه مَنْ يُحَاكي النّاس بأقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليُضحِك النّاس.

وهمزة لُمَزة: من صيغ المبالغة (فُعلة)، وتدلّ على كثرة فعل الشّيء، ومن اللّمز قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التّوبة].

وهو أيضاً:

﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ : فهو يمشي بالنّميمة؛ أي: يسعى بين النّاس بالنّميمة، والسّعاية عادةً تأخذ جانب الشّرّ، وتعني الوشاية والسّعي بين النّاس بالنّميمة، تقول: فلان سعَّاء بين الخلق، يعني بالشّرّ ينقله بين النّاس بقصد الأذى، وهؤلاء إن علموا الخير أخفوه، وإن علموا الشّرّ أذاعوه، وإن لم يعلموا كذبوا.

﴿مَشَّاءٍ : صيغة مبالغة (فعّال)، فالمشي بالنّميمة طبيعة فيه، يقوم بها بقصد وبكثرة ومبالغة، فهو يمشي بحديث النّاس بعضهم في بعض، ينقل حديث بعضهم إلى بعض ويمشي بالكذب، فالمشّاء بنميم يُفسد ذات البين، فيسعى بالنّمائم بين النّاس، ورسول الله ﷺ يقول: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ»([1])؛ أي: نمّام، فهو يقتّ الحديث قتّاً فيسمع الحديث من النّاس على بعضهم وينقله، فيفسد الأواصر الاجتماعيّة والعلاقات الإنسانيّة بين النّاس، وقد روت أسماء بنت يزيد بن السّكن أنّ النّبيّ ﷺ قال: «أَلَا أُخْبِركُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ»([2])، وإفساد ذات البين من أخطر الأمور، لذلك قال رسول الله ﷺ لأصحابه: «أَلَا أُخْبِركُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ»([3]).

([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الأدب، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ، الحديث رقم (6056).

([2]) مسند الإمام أحمد: مسند القبائل، مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بْنتِ يَزِيدَ، الحديث رقم (27599).

([3]) سنن التّرمذيّ: أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ، الحديث رقم (2509).

هَمَّازٍ، مَشَّاءٍ» صفتان للمحذوف

«بِنَمِيمٍ» متعلقان بمشاء

{هَمَّازٍ} … مُغْتَابٍ لِلنَّاسِ.

{مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} … يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَهِيَ: نَقْلُ الحَدِيثِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى وَجْهِ الإِفْسَادِ.