الآية رقم (10) - وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ

﴿حَلَّافٍ: كلمة حلف: هي القَسَم أو اليمين، والحلّاف: كثير الحلف.

وحين نتمعّن في القرآن الكريم نجد أنّ الحلف لا يُطلَق إلّا على اليمين الكاذبة، أمّا القَسَم فإنّه يُطلَق على اليمين الصّادقة واليمين الكاذبة، فمثلاً: عندما نقرأ في سورة المائدة: ﴿ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة: من الآية 89]، وما دامت هناك كفّارة يمين يكون الحلف كاذباً؛ لأنّ الّذي يستوجب الكفّارة هو الكذب، وإذا استعرضنا بعد ذلك كلّ (حلف) في القرآن الكريم نجد أنّه يُقصَد بها اليمين الكاذبة، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ، فالحلف هنا مقصود به القَسَم الكاذب، ولكن إذا قال الله تعالى: (أقسَموا)، فقد يكون اليمين صادقاً وقد يكون كاذباً، والله تعالى يقول: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ [التّوبة: من الآية 62]، ومن العجيب أنّ سورة التّوبة فيها أكبر عدد من لفظ: ﴿يَحْلِفُونَ ، ولم ترد مادّة (يحلف) في سورة المائدة إلّا مرّة واحدة، وفي سورة النّساء مرّة، وفي سورة المجادلة ثلاث مرّات، أمّا في سورة التّوبة فقد جاءت سبع مرّات، وفي سورة القلم الّتي معنا جاءت: ﴿حَلَّافٍ، حتّى أنّ سورة التّوبة سُمّيت (سورة يحلف)؛ لأنّ فيها أكبر عدد من ﴿يَحْلِفُونَ  في القرآن الكريم.

﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ: فلا تُطِع يا محمّد كلّ ذي إكثار للحلف الباطل، وقد نزلت في الأخنس بن شُرَيق، وبعضهم قال: إنّها نزلت في حقّ الوليد بن المغيرة أو الأسود بن عبد يغوث، والآية لا تخصّ واحداً بعينه بل هي على العموم.

﴿مَهِينٍ: أي: حقير، ومعناه هنا قلّة الرّأي والتّمييز، والواجب أن يحفظ الإنسان يمينه، يقول تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ[المائدة: من الآية 89]، وقد كان العرب يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف، والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان أنّ مَن حلف في كلّ قليلٍ وكثيرٍ بالله تعالى انطلق لسانه بذلك، ولا يبقى لليمين في قلبه وقعٌ، فلا يُؤمَن إقدامه على اليمين الكاذبة.

والطّاعة هي استجابة للأمر في: (افعل) والنّهي في (لا تفعل)، وهم قد طلبوا منه ﷺ ألّا يجمعهم مع المستضعفين في مجلسٍ واحدٍ، ولكنّ الله تعالى أراده أن يُكرم هؤلاء القوم المستضعفين بعد أن نهاه عن طردهم.

فلا تُطِع من يعرض عليك المال على أن ترجع عن دينك، كالوليد بن المغيرة الّذي كان تاجراً ضعيف القلب مهيناً، وذلك كقوله تعالى أيضاً: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان: من الآية 24]، والمهين: الكذّاب الضّعيف المكثار في الشّرّ، الضّعيف الرّأي والتّمييز.

ثمّ يذكر المولى تعالى صفات أخرى لهذا الحلّاف المهين، فيقول:

«وَلا تُطِعْ» الواو حرف عطف ومضارع مجزوم بلا الناهية فاعله مستتر

«كُلَّ» مفعوله

«حَلَّافٍ» مضاف إليه

«مَهِينٍ» صفة لمحذوف والجملة معطوفة على ما قبلها

{حَلَّافٍ} … كَثِيرِ الحَلِفِ.

{مَّهِينٍ} … كَذَّابٍ، حَقِيرٍ.