نحن مع هذه الآية أمام بيان قوّة، كما نقول: صدر بيان من الأمم المتّحدة، أو صدر بيان من مجلس الأمن، فقوّة البيان من قوّة مُصدِره، فإذا قال الله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ﴾ فهو بيان أصدره الله للنّاس جميعاً، والقرآن الكريم نزل للبشريّة جمعاء، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾ [سبأ: من الآية 28]، فالقرآن الكريم للبشر جميعاً، وكلّ ما في القرآن وما جاء به النّبيّ هو بيان لكلّ النّاس، لكن تضيف الآية إلى ذلك ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾، فهو بيان لكلّ النّاس؛ لأنّهم بغضّ النّظر كانوا مسلمين أم غير مسلمين ينتفعون من ديننا ومن إسلامنا، لماذا؟ لأنّ القرآن أمر المسلم أن لا يزني ولا يسرق ولا يكذب ولا يقتل ولا يسيء للجار… فغير المسلم ينتفع بهذا الإسلام، إذاً هو بيان للنّاس ورحمة للعالمين، وليس إلغاء للآخرين، هو رحمة للعالمين؛ لأنّ المسلم مطلوبٌ منه كلّ القيم الأخلاقيّة ومطلوبٌ منه التّعامل دائماً بالتي هي أحسن: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصّلت]، ومطلوب منه وأد العداوات: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: من الآية 134]، ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النّحل]، هذا العطاء الرّحب أهو للنّاس أم ليس للنّاس؟ إنّه منفعة لكلّ البشريّة، لذلك هذا القرآن هو للنّاس جميعاً، ويُضاف إلى ذلك أنّه بيان للنّاس فهو موعظة وهدىً، فما هو الهدى؟ الهدى: هو الدّلالة على الطّريق الموصل للغاية، إذاً هو الّذي يهديك إلى ما فيه خيرا الدّنيا والآخرة، ويوصلك إلى الجنّة، والموعظة: هي حمل النّفس على أمرٍ ما إمّا ترغيباً وإمّا ترهيباً، فالموعظة والهدى يكونان للمتّقين، والبيان للنّاس جميعاً؛ لأنّ الإسلام مصدر خير للجميع. والآن يتابع القرآن الكريم الكلام عن غزوة أُحُد، لماذا؟ لأنّ فيها آيات كثيرة أحدثت زلزالاً لدى المسلمين.
هذا: اسم إشارة مبتدأ
بَيانٌ: خبره
لِلنَّاسِ: متعلقان بالمصدر بيان أو بمحذوف صفة
وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ: معطوفة على بيان
لِلْمُتَّقِينَ: متعلقان بموعظة أو بمحذوف صفتها وجملة هذا بيان استئنافية.
وَهُدىً: من الضلالة أي تبصير وإرشاد إلى طريق الدّين القويم.
وَمَوْعِظَةٌ: ما يلين القلب ويدعو إلى التّمسك بالطاعة.