الآية رقم (19) - هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ

﴿هَذَانِ خَصْمَانِ﴾: كلمة خَصْم من الألفاظ الّتي يستوي فيها المفرد والمثنّى والجمع، وكذلك المذكّر والمؤنّث كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾[ص]، ويقول جلَّ جلاله: ﴿خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: من الآية 22]، والمراد بقوله: ﴿خَصْمَانِ﴾ هنا هو قوله جلَّ جلاله: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾، والخصومة تحتاج إلى فَصْل بين المتخاصمين، والفَصْل يحتاج إلى شهود، لكن إنْ جاء الفَصْل من الله سبحانه وتعالى فلن يحتاج إلى شهود، ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾[النّساء: من الآية 79]، وإنْ جاء عليهم بشهود من أنفسهم، فإنّما لإقامة الحجّة ولتقريعهم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصّلت: من الآية 21]، والحقّ سبحانه وتعالى هو الّذي يفصل بين هذيْن الخصميْن، كما قال جلَّ جلاله في آيةٍ أخرى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[الحجّ: من الآية 17].

﴿اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾: أي: بسبب اختلافهم في ربّهم، ففريقٌ يؤمن بوجود إله، وفريقٌ يُنكره، فريق يُثبت له الصّفات، وفريق ينفي عنه هذه الصّفات، يعني: انقسموا بين إيمان وكفر، ثمّ يُفصِّل القول:

﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾: كأنّ النّار تفصيل على قَدْر جسومهم إحكاماً للعذاب، ومبالغةً فيه، فليس فيها اتّساع يمكن أنْ يُقلِّل من شِدَّتها، وليست فضفاضة عليهم.

﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾: والحميم: الماء الّذي بلغ منتهى الحرارة، حتّى صار هو نفسه مُحْرِقاً من شِدَّة حَرّه، ولكَ أنْ تتصوّر ماءً يَغلي من قبل الله عزَّ وجلّ! وهكذا يجمع الله سبحانه وتعالى عليهم ألوان العذاب؛ لأنّ الثّياب يرتديها الإنسان لتستر عورته، وتقيه الحرّ والبرد، ففيها شمول لمنفعة الجسم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النّحل]، فالإذاقة ليستْ في اللّباس، إنّما بشيء آخر، واللّباس يعطي الإحاطة والشّمول، لتعمّ الإذاقة أطراف البدن كُلَّها.

«هذانِ» الها للتنبيه وذان اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ

«خَصْمانِ» خبر مرفوع بالألف لأنه مثنى والجملة مستأنفة

«اخْتَصَمُوا» ماض وفاعله والجملة في محل رفع صفة لخصمان

«فِي رَبِّهِمْ» متعلقان باختصموا والهاء مضاف إليه

«فَالَّذِينَ» الفاء عاطفة والذين اسم موصول في محل رفع مبتدأ

«كَفَرُوا» ماض وفاعله والجملة صلة لا محل لها من الإعراب

«قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ» ماض مبني للمجهول والتاء للتأنيث وثياب نائب فاعل ولهم متعلقان بقطعت والجملة خبر المبتدأ

«مِنْ نارٍ» متعلقان بصفة محذوفة لثياب

«يُصَبُّ» مضارع مبني للمجهول

«مِنْ فَوْقِ» متعلقان بيصب

«رُؤُسِهِمُ» مضاف إليه والهاء مضاف إليه

«الْحَمِيمُ» نائب فاعل والجملة استئنافية أو حالية من الضمير في لهم

 

{يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} أي الماء الحار.