الآية رقم (3) - نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ

﴿نَحْنُ نَقُصُّ﴾: حين يتحدّث الحقّ سبحانه وتعالى عن فعلٍ من أفعاله يأتي بضمير الجمع؛ لأنّ كلّ فعلٍ من أفعاله يتطلّب وجود صفاتٍ متعدّدةٍ، والله سبحانه وتعالى يجمع كلّ هذه الصّفات، وحين يتكلّم الله سبحانه وتعالى عن الذّات فلا يأتي بصيغة الجمع، يقول جلَّ جلاله: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ {طه}.

﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾: علينا أن نلتزم الأدب عند الكلام عن ذات الله سبحانه وتعالى إلّا ما أخبرنا عن نفسه جلَّ جلاله، لذلك لا يصحّ أن نقول عن الله جلَّ جلاله: إنّه قصّاص، فلا يصحّ أن نشتقّ من أفعاله اسمًا له عزَّ وجلّ؛ لأنّه لم يصف نفسه في أسمائه الحسنى بذلك.

﴿نَقُصُّ﴾: كلمة قصّ تعني الاتّباع، قال بعض العلماء: إنّ القصّة تسمّى كذلك؛ لأنّ كلّ كلمةٍ تتبع كلمةً، وهي مأخوذةٌ من قصّ الأثر، وهو تتبّع أثر السّائر على الأرض حتّى يعرف الإنسان مصير من يتتبّعه ولا ينحرف بعيداً عن الاتّجاه الّذي سار فيه مَن يبحث عنه، ولنقرأ قول الحقّ جلّ وعلا: ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ {القصص}، قُصّيه؛ أي تتبّعي أثره، وفي قصّة موسى عليه السّلام مع فتاه يقول سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)﴾؛ أي تابعا الخطوات، فهكذا يتبيّن لنا أنّ القصّ هو تتبُّع ما حدث بالفعل، فتكون كلّ كلمةٍ مصوّرةً لواقعٍ لا لبس فيه، ففي القصص البشريّ نجد لقطاتٍ خياليّةً من أجل الحبكة الفنّيّة والإثارة، أمّا قصص القرآن الكريم فوضعه مختلفٌ تماماً، فقصص القرآن الكريم كلّها إنّما تتتبّع ما حدث فعلاً لنأخذ منه العِبرة، وهو نوعٌ من التّاريخ الصّادق.

﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾: يبيّن لنا سبحانه وتعالى أنّ الحُسن أتاها كونها من كلامه الكريم، والكتب السّابقة تحدّثت عن قصّة يوسف عليه السّلام فالقصّة أحداثها واحدةٌ، أمّا صياغة المواجيد النّفسيّة، وإبراز المواقف المطويّة في النّفس البشريّة، كلّ ذلك جاء في حبكةٍ رائعةٍ ذات أداءٍ بيانيٍّ معجِزٍ لم تأت في أيٍّ من الكتب، وكذلك ما اشتملت عليه من عِبَرٍ متعدّدةٍ، لذلك فهي أحسن القصص، وكذلك هي سورةٌ اشتملت على لقطاتٍ متعدّدةٍ تُساير العمر الزّمنيّ والعقليّ والعاطفيّ للإنسان في كلّ أطواره، ضعيفًا مغلوبًا على أمره ثمّ قويًّا مسيطرًا ممَكَّنًا.

﴿بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلْغَٰفِلِينَ﴾: المقصود بالغفلة هنا أنّ رسول الله ﷺ كان أُمّيًّا، ولم يكن يُعرَف عنه قبل نزول القرآن الكريم كونه خطيبًا ولا شاعرًا ولا كاتبًا، وكلّ ما عُرِف عنه هو الصّفات الخُلُقيّة العالية من صدقٍ وأمانةٍ، فهو لم يكذب في يومٍ من الأيّام.

«نَحْنُ»: مبتدأ وجملته مستأنفة.

«نَقُصُّ»: مضارع فاعله مستتر والجملة خبر.

«عَلَيْكَ»: متعلقان بنقص.

«أَحْسَنَ»: مفعول به.

«الْقَصَصِ»: مضاف إليه.

«بِما»: ما مصدرية وهي وما بعدها في محل جر ومتعلقان بنقص.

«أَوْحَيْنا»: ماض وفاعله والجملة صلة.

«إِلَيْكَ»: متعلقان بأوحينا.

«هذَا»: ذا اسم إشارة مفعول به والها للتنبيه.

«الْقُرْآنَ»: بدل من اسم الإشارة.

«وَإِنْ»: الواو حالية وإن مخففة من إن الثقيلة واسمها ضمير الشأن والجملة حالية.

«كُنْتَ»: كان واسمها والجملة خبر إن.

«مِنْ قَبْلِهِ»: متعلقان بمحذوف حال والهاء مضاف إليه.

«لَمِنَ الْغافِلِينَ»: اللام الفارقة ومتعلقان بالخبر المحذوف لكان.

الْقَصَصِ: إما مصدر بمعنى الاقتصاص، وإما اسم مفعول بمعنى المقصوص من الخبر والأحاديث. وقص الخبر: حدثه على وجهه الصحيح.

وأَحْسَنَ الْقَصَصِ: لأنه اقتص على أبدع الأساليب، أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر.

بِما أَوْحَيْنا: أي بإيحائنا إليك هذا القرآن، يعني السورة.

لَمِنَ الْغافِلِينَ: عن هذه القصة، الجاهلين بها، فلم يكن لك فيها علم قط، ولا عرفت شيئا منها.