الآية رقم (35) - مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ

﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ ﴾: عندما يريد المولى سبحانه وتعالى أن يتحدّث عن الجنّة فإنّه لا يصف الجنّة وإنّما مَثَل الجنّة، فالألفاظ توضع لمعانٍ نعرفها، فكيف إذا كانت المعاني لا نعرفها؟! كيف سيكون لها ألفاظٌ؟ أنت لا تعرف شيئاً عن الجنّة، ولا تتوقّعه، بدليل أنّ النّبيّ , قال: «فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ»([1])، فلا يوجد لغة يمكن أن تصف ما لا يخطر على البال، لذلك قرّبها المولى سبحانه وتعالى إلى الأذهان فقال: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ ﴾، ونلاحظ التّرقّي في حديث النّبيّ , في الكلمات: «فيها ما لا عينٌ رأت»، فالعين لها مدى في الرّؤية، «ولا أذنٌ سمعت»، السّمع هو ما تسمعه من غيرك، فلا سمع ولا بصر ولا حتّى بالخاطر، لذلك نأخذ الكلام عن الجنّة كمثال وليس كحقيقة.

﴿ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾: وُعِد مبنيٌّ للمجهول، من الّذي وعد؟ والجواب يحتمل أن يكون: الله جل جلاله، أو الرّسل عليهم السلام، أو الكتب السّماويّة، لذلك جاءت مبنيّة للمجهول.

﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾: أحياناً يقول سبحانه وتعالى: ﴿تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴾ ]التّوبة: من الآية 100[؛ أي تنبع الأنهار من تحت هذه الجنّة، وتأتي أحياناً كهذه الآية: ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾؛ أي تمرّ بها.

﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾: أي الأكل فيها دائمٌ مستمرٌّ لا ينقص، لذلك بإمبراطوريّة الرّوم طلب الرّومان من أحد المسلمين أن يُفسّر لهم هذه الآية، واعتقدوا أنّ لديهم حُجّة على القرآن الكريم، فقالوا: الشّيء عندما تأخذ منه فإنّه ينقص، فكيف يكون أُكُلها دائمٌ لا ينقص؟ فأتى لهم بمصباح مُضيء، ثمّ قال لهم: أحضروا مصابيح مطفأة، فأوقد مصابيحهم كلّها من هذا المصباح، ثمّ سألهم: هل نَقُص هذا المصباح عندما أوقد المصابيح؟ قالوا: لا، قال: وذلك مَثَل الجنّة.

﴿وَظِلُّهَا ﴾: الظّلّ ولا نعرف هل يوجد فيها شمس، لكن يوجد فيها ظلٌّ، وهذا الظّلّ دائمٌ؛ أي أُكُلها دائمٌ وظلّها دائمٌ، فهي تُريح البشر.

﴿تِلْكَ عُقْبَى﴾: عاقبة.

﴿ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾: المتّقي هو الّذي يجعل بينه وبين النّار وِقايةً، والوقاية تكون بالإيمان بالله سبحانه وتعالى والعمل الصّالح، والعاقبة هي الجنّة.

﴿وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾: عاقبة الكافرين النّار، كلمةٌ واحدةٌ هنا من غير وصفٍ زائدٍ عليها، وكفى بهذه الكلمة رُعباً بالنّسبة إلى الكافرين.

([1]) صحيح مسلم: كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها، الحديث رقم (2825).

«مَثَلُ» مبتدأ

«الْجَنَّةِ» مضاف إليه

«الَّتِي» موصول صفة للجنة

«وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» ماض مبني للمجهول ونائب فاعله المرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة صلة

«تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» مضارع وفاعله ومتعلقان بتجري والجملة خبر مثل

«أُكُلُها دائِمٌ» مبتدأ وخبر والهاء مضاف إليه والجملة مستأنفة

«وَظِلُّها» مبتدأ خبره محذوف والجملة معطوفة

«تِلْكَ» اسم إشارة مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب

«عُقْبَى» خبر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والجملة مستأنفة

«الَّذِينَ» موصول مضاف إليه «اتَّقَوْا» ماض وفاعله والجملة صلة

«وَعُقْبَى» الواو عاطفة عقبى مبتدأ

«الْكافِرِينَ» مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم

«النَّارُ» خبر والجملة معطوفة.