﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ : الحقّ سبحانه وتعالى يؤكّد دائماً على قضيّة البعث والقيامة، ويريد سبحانه وتعالى أنْ ينصب للنّاس في حركة حياتهم موازين الجزاء؛ لأنّ كلّ عمل لا توجد فيه موازين للجزاء يعدّ عملاً باطلاً، ولا يمكن أنْ يستغني عن الجزاء ثواباً وعقاباً إلّا مَنْ كان معصوماً أو مُسخَّراً، فإذا لم يتوفّر مبدأ الجزاء ثواباً وعقاباً في غير هذين لا بُدَّ أنْ يوجد فساد، إذا لم يُثب المختار على الفعل، ويعاقب على التّرك اضطربت حركة الحياة، حتّى في المجتمعات الّتي لا تؤمن بإله وضعت لنفسها هذا القانون، قانون الثّواب والعقاب.
﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ ، فالأمر يسير على الله عزَّ وجلَّ؛ لأنّ خَلْق النّفس الواحدة وخَلْق جميع الأنفس يتمّ بـ: ﴿كُنْ﴾ ، فالمسألة لا تحتاج إلى تسعة أو ستّة أشهر، كذلك شاء الله سبحانه وتعالى أنْ يوجد الإنسان جنيناً في بطن أمّه، وأن تجري عليه أمور النّمو بطبيعتها، فخَلْق الإنسان لا يقاس بالنّسبة إلى الله عزَّ وجلَّ بالزّمن، وقد حَلَّ لنا الإمام عليّ -كرّم الله وجهه- هذه القضيّة حينما سُئِل: كيف يحاسب الله تعالى النّاس جميعاً من لَدُن آدم عليه السّلام إلى قيام السّاعة في وقت واحد؟ فقال: “يحاسبهم جميعاً في وقت واحد، كما أنّه يرزقهم جميعاً في وقت واحد”؛ لأنّه سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن.
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ : سميع وبصير صيغة مبالغة من السّمع والبصر، وقلنا: إنّك وأنت العبد المخلوق تستطيع أن ترى هذا الجمع مرّة واحدة في نظرة واحدة، وكذلك تسمعه، فما بالك بسَمْع الله سبحانه وتعالى وبصره؟!