الآية رقم (2) - مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى

الشّقاء: هو التّعب والنَّصَب والكدّ، فالحقّ سبحانه وتعالى ينفي في بداية هذه السّورة عن رسوله صلّى الله عليه وسلّم التّعب بسبب إنزال القرآن الكريم عليه، فما المقابل؟ المقابل: أنزلنا عليك القرآن الكريم لتسعد أو لترضى، تسعد بأن اصطفاك الله سبحانه وتعالى لتكون أَهْلاً لنزول القرآن الكريم عليك، وتسعد بأن تحمل نفسك أوّلاً على منهج الله سبحانه وتعالى وفِعْل الخير كلّه، فلماذا جاءتْ كلمة ﴿لِتَشْقَى﴾؟، لماذا لم تأت: (طه أنزلنا عليك القرآن لتسعد)؟ هذا ردّ على كلام الكفّار كأبي جهل، ومُطعِم بن عديّ، والنّضر بن الحارث، والوليد بن المغيرة حينما ذهبوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالوا له: لقد أشقيتَ نفسك بهذه الدّعوة، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»([1])، فقد بُعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليسعد ويسعد معه قومه والنّاس أجمعين لا ليشقى ويُشقِي معه النّاس، لكن من أين جاء الكفّار بمسألة الشّقاء هذه؟ المؤمن لو نظر إلى منهج الله عزَّ وجلَّ الّذي نزل به القرآن الكريم لوجده يتدخّل في إراداته واختياراته، ويقف أمام شهواته، فيأمره بما يكره وما يشقُّ على نفسه، ويمنعه ممّا يألَف ويحبّ.

فمنهج الله سبحانه وتعالى ضدّ مرادات الاختيار، فالشّهوات تنطلق، والمنهج يحدّ من الشّهوات، فلا يُطلِق لك شهوة الجنس، ولا يُطلِق لك شهوة التّملّك، ولا يُطلِق لك شهوة الأكل… فهو يضبط، وهذا يُتعِب النّفس ويشقُّ عليها؛ لأنّ النّاس عزلوا الوسيلة عن الغاية، فنظروا إلى الدّنيا والتّكليف بشكلٍ منفصلٍ عن الآخرة والجزاء، أمّا المؤمن فيقرن بين الوسيلة والغاية، ويتعب في الدّنيا على أمل الثّواب في الآخرة، فيسعد بمنهج الله عزَّ وجلَّ، لا يشقى به أبداً، كالتّلميذ الّذي يتحمّل مشقّة الدّرس والتّحصيل؛ لأنّه يستحضر فَرْحة الفوز والنّجاح آخر العام، من هنا رأى كفّار مكّة في منهج الله سبحانه وتعالى مشقّة وتعباً؛ لأنّهم عزلوا الوسيلة عن غايتها، في حين شعر المؤمنون بلذّة العبادة ومتعة التّكليف من الله سبحانه وتعالى، وهذه المسألة هي الّتي جعلت كفّار مكّة يتّخذون آلهةً لا مطالبَ لها، ولا منهج، ولا تكليف، آلهة يعبدونها على هواهم، وقد أوضح القرآن الكريم أنّهم مغفّلون في هذه المسألة، فقال: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾، فلم يكن القرآن الكريم لشقاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبداً، إنّما لعطائه، ومهما تحمّل منهم ومن حجارتهم ومن شتمهم ومن أذيّتهم كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سعيداً بهدايتهم، ويكلّف نفسه ما لا يطيق، لذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾[الكهف]، فهو يشقي نفسه معهم بالتّبليغ.

(([1] مسند الإمام أحمد بن حنبل: تتمّة مسند الأنصار، حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ الصُّدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ بْنِ عَمْرِو، الحديث رقم (22307).

«ما» نافية

«أَنْزَلْنا» ماض وفاعله وقرىء نزلنا

«عَلَيْكَ» متعلقان بأنزلنا

«الْقُرْآنَ» مفعول به والجملة ابتدائية

«لِتَشْقى» اللام لام التعليل وتشقى مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل وفاعله مستتر والشقاء هنا بمعنى التعب وأن المضمرة وما بعدها في تأويل المصدر في محل جر باللام متعلقان بأنزلنا