الآية رقم (0) - مقدمة تفسير سورة الممتحنة

سورة الممتحنة سورة مدنيّة، عدد آياتها: (13) آية، ترتيبها في المصحف الشّريف (60)، نزلت بعد سورة الأحزاب، وقبل سورة النّساء، فهي خامس سورة تنزل بالمدينة.

الممتحَنة تُقرأ بفتح الحاء وبكسرها، والممتحنة هي فتاة اسمها أمّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي معيط، والدها عُقبة كان يُلقَّب بأشقى القوم؛ لأنّه كان دائم الإيذاء للنّبيّ ﷺ وللمؤمنين، فهو مَن أتى بسلا جزور([1]) ووضعها على ظهر النّبيّ ﷺ، وهو ساجد أمام الكعبة، وهو الشّخص نفسه الّذي لفّ رداءه وخنق به النّبيّ ﷺ وهو يصلّي حتّى أُغمي على النّبيّ ﷺ، ومع ضلال عُقبة بن أبي معيط إلّا أنّ الله سبحانه وتعالى أخرج من صلبه من يوحّد الله سبحانه وتعالى، ويؤمن بالإسلام، وهي ابنته الوحيدة أمّ كلثوم المؤمنة برسالة سيّدنا رسول الله ﷺ، حيث كانت ذكيّة جدّاً، محبّة للعلم، فقد كانت من قلائل النّساء المهتمّات بالعلم في مكّة، وكانت صاحبة أدب وجمال، وعندما دخل الإيمان في قلبها كتمته عن أبيها عُقبة بن أبي معيط وعن إخوتها عمارة والوليد، وحين أتى موعد الهجرة، كانت أمّ كلثوم تريد أن تهاجر مع النّبيّ ﷺ من مكّة إلى المدينة، ولكنّها خافت من بطش أبيها وإخوتها، فصبرت، إلى أن جاءت غزوة بدر وقُتِل أبوها عُقبة بن أبي معيط ومات على الكفر، وبقيت أمّ كلثوم في بيت أبيها، وعمرها سبعة عشر عاماً، فتقدّم لخطبتها أشرف شبّان مكّة وأغنى أغنيائها، غير أنّها كانت ترفض بحجّة حزنها على أبيها، وهي مسلمة تكتم إيمانها، وتعبد الله سبحانه وتعالى بين مئات الكفّار، وتصبر، وتنتظر أن يأتي فرج من الله سبحانه وتعالى، ويحصل حدث يغيّر حياتها، وعندما جاء صلح الحديبية كان من شروطه أن يردّ النّبيّ ﷺ من يأتيه من مكّة مسلماً، ولـمّا سمعت أمّ كلثوم بشروط صلح الحديبية بكت بكاء مريراً؛ لأنّها فقدت الأمل بالهجرة إلى المدينة بعد هذا الشّرط، واشتدّ الخناق عليها فقرّرت أن تهاجر حتّى لو أرجعها النّبيّ ﷺ إلى مكّة، وهاجرت باللّيل الدّامس، والطّرقات الوعرة بين مكّة والمدينة، وهي تعلم أنّ النّبيّ ﷺ وفقاً للاتّفاقيّة سيرجعها إلى مكّة، وسيعلم الجميع أنّها مسلمة وتتأذّى من إخوتها، وعندما وصلت المدينة المنوّرة، تحيّر النّبيّ ﷺ في أمرها، فالمروءة والأخلاق تمنعه من إرجاعها إلى مكّة، والعهد يلزمه بإرجاعها، واشتعلت المدينة كلاماً، فالصّحابة كلّهم يرفضون إعادتها، والنّبيّ ﷺ صامت ينتظر أمراً من الوحي، فنزل جبريل عليه السلام بالوحي في أمر أمّ كلثوم، ونزلت آيات سورة الممتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾، وينزل أمر الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات أنّ أمّ كلثوم لا ترجع إلى مكّة، ويقبلها الله جلّ وعلا، وبقيت في المدينة المنوّرة رغم أنف قريش، والله تبارك وتعالى يجزيها على صبرها وإيمانها، ويجازيها خيراً، فتتزوّج الصّحابيّ الجليل عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه، أحد العشرة المبشّرين بالجنّة وأغنى أغنياء المدينة المنوّرة.

([1]) سلا جزور؛ أي: أمعاء الشّاة والقاذورات الّتي في بطن الشّاة.