الآية رقم (3) - لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ﴾: كأنّهم كانوا يوادّون أعداء الله سبحانه وتعالى من أجل أرحامهم وأولادهم خوفاً عليهم، وهؤلاء لن ينفعوهم ولن يغنوا عنهم من الله عز وجلَّ شيئاً يوم القيامة، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾[عبس]، فلا توال أعداء الله عز وجلَّ من أجل أحد؛ لأنّهم لن يدفعوا عنك العذاب.

﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾: فهؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار.

وقال العلماء: نزلت هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة، وكان مؤمناً هاجر إلى المدينة، لكنّه وقع في زلّة، حيث لـمّا علم أنّ رسول الله ﷺ يستعدّ لفتح مكّة، أرسل إلى كفّار مكّة كتاباً مع امرأة أخفته في شعرها، وكتب فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش: إنّ محمّداً يريدكم فاحذروه، فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى رسوله بذلك، قال سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالـمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا»، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الـمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقاً فِي قُرَيْشٍ، وَلَـمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الـمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْراً وَلَا ارْتِدَاداً، وَلَا رِضاً بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الـمُنَافِقِ، قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»([1])، وكان حاطب من أهل بدر، فالأرحام والقرابات لا تحملك أبداً على مخالفة منهج الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ الخير بيد الله عز وجلَّ، لذلك الإسلام أعلى علاقة العقيدة فوق علاقة النّسب، والشّواهد على ذلك كثيرة في تاريخ الدّعوة، فعبيد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول استأذن رسول الله ﷺ في أن يقتل ابن سلول.

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾: يعني: احذروا نظر الله سبحانه وتعالى إليكم وعينه الّتي لا تغفل ولا تنام، واعلموا أنّه يراكم ومطّلعٌ على أفعالكم مهما أسررتم موالاة أعدائه، ومهما داريتم فهو بصير بكم.

([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الجهاد والسِّيَر، باب الجاسوس، الحديث رقم (3007).

«لَنْ تَنْفَعَكُمْ» مضارع منصوب بلن ومفعوله

«أَرْحامُكُمْ» فاعله

«وَلا أَوْلادُكُمْ» معطوف على أرحامكم

«يَوْمَ» ظرف زمان

«الْقِيامَةِ» مضاف إليه والجملة استئنافية لا محل لها

«يَفْصِلُ» مضارع فاعله مستتر

«بَيْنَكُمْ» ظرف مكان والجملة استئنافية لا محل لها

«وَاللَّهُ» مبتدأ

«بِما» متعلقان ببصير

«تَعْمَلُونَ» مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة صلة

«بَصِيرٌ» خبر المبتدأ والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.

{يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} … يُفَرِّقُ بَيْنَ المُطِيعِينَ، وَالعَاصِينَ