الآية رقم (46) - لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾: يعني: مَنْ ملك هذا الملْك وحده، وخلق لكم هذه العجائب أنزل لكم آيات بيّنات تحمل إليكم الأحكام، فكما فعل لكم الجميل، ووفّر لكم ما يخدمكم في الكون، سمائه وأرضه، فأدُّوا أنتم ما عليكم نحو منهجه وأحكامه، واتّبعوا هذه الآيات البيّنات.

﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾: أي: لاستقامة حركة الحياة؛ لأنّ حركة الحياة تحتاج أنْ يتحرّك الجميع ويؤدّي كُلٌّ مهمّته حتّى تتساند الحركات ولا تتعاند، فالّذي يُتعب الدّنيا أن تبني وغيرك يهدم، كما قال الشّاعر:

مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ                     .   إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
.

فلا بُدَّ من ضابط قيميّ يضبط الحركات كلّها، ويحثّ كلّ صانع أنْ يتقن صَنْعته ويُخلِص فيها، والإنسان غالباً لا يُحسِن إلّا زاوية واحدة في حياته، هي حرفته وتخصّصه، وربّما لا يحسنها لنفسه.

﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾: ولقائل أنْ يسأل: وما ذنب مَنْ لم يدخل في هذه المشيئة فلم يَهْتد؟ وسبق أن قلنا: إنّ الهداية نوعان: هداية الدّلالة وهداية المعونة، فالله تعالى يهدي الجميع هداية الدّلالة، ويبيّن للكلّ أسباب الخير وسُبل النّجاة وطريق الفلاح والأسلوب الأمثل في إدارة حركة الحياة، فمَنْ سمع كلام الله تعالى ووثق في توجيهه وأطاع في هداية الدّلالة أعانه تعالى بهداية المعونة، فساعة تسمع: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[المائدة: من الآية 108]، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: من الآية 258]، فاعلم أنّهم امتنعوا عن هداية الدّلالة فامتنعت عنهم هداية المعونة، لا هداية الدّلالة والإرشاد والبيان.

وقلنا: إنّ كلمة: ﴿أَنْزَلْنَا﴾ تُشعر باحترام الشّيء المنزّل؛ لأنّ الإنزال لا يكون إلّا من العُلُوّ إلى الأدنى، فكأنّ ربّنا عزَّ وجلَّ حين كلّفنا يقول لنا: أريد أن أرتفع بكم من مستوى الأرض إلى عُلوّ السّماء؛ لذلك يقول تعالى في موضع آخر: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾[الأنعام: من الآية 151]؛ أي: لا تضعوا لأنفسكم المنهج حسب آرائكم، وإنّما خذوه من ربّكم تعالى، وتعالوا في ذلك حتّى تعلوا في شأن حياتكم.

«لَقَدْ» اللام واقعة في جواب القسم وقد حرف تحقيق

«أَنْزَلْنا» ماض وفاعله وجملة جواب القسم لا محل لها

«آياتٍ» مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم

«مُبَيِّناتٍ» صفة لآيات منصوبة

«وَاللَّهُ» لفظ الجلالة مبتدأ والجملة مستأنفة

«يَهْدِي» مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل وفاعله مستتر

«مَنْ» اسم موصول مفعول به

«يَشاءُ» مضارع فاعله محذوف والجملة صلة

«إِلى صِراطٍ» متعلقان بيهدي

«مُسْتَقِيمٍ» صفة.