الآية رقم (3) - لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾: هذه هي التّسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّه حمّل نفسه في تبليغ الرّسالة فوق ما يُطيق، وفوق ما يطلبه الله عزَّ وجلَّ منه حِرْصاً منه على هداية النّاس، وإرجاعهم إلى منهج الله تعالى؛ ليستحقّوا الخلافة في الأرض، ولأنّ من شروط الإيمان أن تحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك، فكان رسول الله ﷺ يحبّ الخير للبشر كلّهم. والحقّ عزَّ وجلَّ يُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال له في سورة الكهف: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾[الكهف].

﴿بَاخِعٌ﴾: أي: تحزن حزناً عميقاً، يستولي على نفسك حتّى تهلك، وهذا يدلّ على المشقّة الّتي كان يعانيها الرّسول صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه له، وفي موضع آخر، يقول عزَّ وجلَّ لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾[فاطر: من الآية 8]، فهذا أمر نهائيّ واضح، ونَهْيٌ صريح، بعد أنْ لفتَ نظره بالإنكار، فقال: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾، وقد نبّه الله عزَّ وجلَّ رسوله في عِدّة مواضع حتّى لا يُحمِّل نفسه فوق طاقتها، فقال الحقّ عزَّ وجلَّ: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾[الرّعد: من الآية 40]، وقال: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾[الغاشية]، وقال: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾[ق: من الآية 45]، فالحقّ عزَّ وجلَّ يقول لرسوله ﷺ: يسِّر على نفسك، ولا تُكلِّفها تكليفاً شاقّاً مُضْنياً، والعتاب هنا لمصلحة الرّسول، لا عليه.

«لَعَلَّكَ باخِعٌ» لعل واسمها وخبرها

«نَفْسَكَ» مفعول به لباخع

«أَلَّا» أن ناصبة ولا نافية

«يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» مضارع ناقص واسمه وخبره وأن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول لأجله