الآية رقم (186) - لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ

﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾: أوّلاً في المال، والابتلاء يعني الامتحان، الابتلاء في المال أن يذهب هذا المال، وإمّا أن يكون ذهابه بطريقة التّصرّف بالمال. فإمّا أن يكون لديك مال ويذهب فتصبح فقيراً، وإمّا أن تكون غنيّاً ولكنّك تتصرّف بالمال بما يغضب الله، ولا تؤدّي حقّ المال، ولا تعطي الفقير ولا اليتيم ولا ذوي الحاجات وتصرف المال في المعصية، فإذاً هو ابتلاء، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾] الفجر[، فيعتقد أنّ التّكريم بالمال، ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ[الفجر]، أي إنّه يعتقد أنّ المال دليل كرامة وأنّ الفقر دليل الإهانة، فيقول الله سبحانه وتعالى بعدها: ﴿كَلَّا فلا المال دليل كرامة ولا الفقر دليل إهانة، وانظر لامتحان المال: ﴿كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر]، التّراث: الميراث. هذا في ميدان الابتلاء بالمال، أمّا في ميدان الابتلاء في الأنفس فمن يستطيع ألّا يمرض فليفعل، من يستطيع أن يمنع أيّ مرض أو أيّ جرثومة أو بكتيريا أن تصيبه؟! لا أحد على الإطلاق، أي إنّه سيُبتلى بنفسه أو إنّه سيموت. هذا نوع من الابتلاء.

لَتُبْلَوُنَّ: اللام واقعة في جواب القسم تبلون فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون المحذوفة لكراهة لتوالي الأمثال والواو نائب فاعل ونون التوكيد حرف لا محل له

فِي أَمْوالِكُمْ: متعلقان بالفعل قبله

وَأَنْفُسِكُمْ: عطف والجملة لا محل لها جواب قسم مقدر

وَلَتَسْمَعُنَّ: مثل ولتبلون

مِنَ الَّذِينَ: متعلقان بالفعل قبلهما والجملة معطوفة

أُوتُوا الْكِتابَ: فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعل هو المفعول الأول والكتاب مفعول به ثان والجملة صلة الموصول

مِنْ قَبْلِكُمْ: متعلقان بمحذوف حال من الكتاب

وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: عطف على جملة من الذين أوتوا الكتاب

أَذىً: مفعول به لتسمعن

كَثِيراً: صفة

وَإِنْ تَصْبِرُوا: إن شرطية والمضارع فعل الشرط وهو مجزوم بحذف النون والواو فاعلهوَتَتَّقُوا: عطف على وتصبروا

فَإِنَّ ذلِكَ: الفاء رابطة إن واسم الإشارة اسمها.

مِنْ عَزْمِ: متعلقان بمحذوف خبرها والجملة في محل جزم جواب الشرط.

الْأُمُورِ: مضاف إليه.

لَتُبْلَوُنَّ: لتختبرن أي لتعاملن معاملة المختبر، لتظهر حالتكم على حقيقتها.

فِي أَمْوالِكُمْ: بإيجاب الزكاة المفروضة فيها والنفقة في سبيل الله، وبالجوائح والآفات

وَأَنْفُسِكُمْ: بالقتل والأسر والجراح والمخاوف والمصائب في سبيل الله وبالعبادات المفروضة، وبالأمراض وفقد الأحبة والأقارب.

أُوتُوا الْكِتابَ: اليهود والنصارى

الَّذِينَ أَشْرَكُوا: هم مشركو العرب.

أَذىً كَثِيراً: كالسب والطعن في الدين والافتراء على الله والرسول والتشبيب بنسائكم.

وَإِنْ تَصْبِرُوا: على ذلك، والصبر: حبس النفس على ما تكره وكظم الغيظ ومقاومة الجزع والشدة بالتقوى والرضا

وَتَتَّقُوا: الله بامتثال الأمر واجتناب النهي

والتقوى: الابتعاد عن المعاصي والتزام المأمورات.

مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ: أي من معزومات الأمور التي يعزم عليها لوجوبها.

والمعنى: أنَّ الصبر والتقوى من صواب التدبير، وقوة الإرادة، وكمال العقل والفكر، ومن الأمور المحتمة التي لا يجوز التساهل فيها.