الآية رقم (13) - لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ

الحقّ سبحانه وتعالى في قصّة هؤلاء المكذِّبين قدَّم الغاية من العذاب، فقال: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾، ثمّ فصَّل القَصمْ بأنّهم لـمّا أحسّوا العذاب تركوا قريتهم، وأسرعوا هاربين حتّى لا يلحقهم العذاب، وهنا يقول لهم: لا تركضوا وعودوا إلى مساكنكم، وإلى ما أُترِفْتم فيه.

والتّرفُ: هو التّنعُّم، نقول: ترف الرّجل يترف، مثل: فرح يفرَح؛ أي: تنعَّم، فإذا زِيدتْ عليها همزة، فقيل: أترف الرّجل، فمعناها: أخذ نعيماً وأبطره، ومنها أيضاً: أترفَهُ الله سبحانه وتعالى، يعني: غرَّه بالنّعيم؛ ليكون عقاباً له.

فقوله هنا: ﴿إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾، من أترفه الله سبحانه وتعالى، يعني: أعطاهم نعيماً لا يؤدّون حقَّه، فيجرّ عليهم العذاب، لكن ما دام الله سبحانه وتعالى يريد بهم العذاب، فلماذا يُنعِّمهم؟ قالوا: فَرْق بين عذاب واحد وعذابين: العذاب أن تُوقع على إنسان شيئاً يؤلمه، أمّا أن تُنعِّمه وترفعه ثمّ تعذبه، فقد أوقعتَ به عذاباً فوق عذاب، ومن ذلك قَوْلُ القرآن الكريم: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الأنعام: من الآية 44]، أعطيناهم الصّحّة والمال والجاه والأرض والدُّور والقصور، ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: من الآية 44]، وهكذا يكون أَخذْه أليماً شديداً، فعلى قَدْر ما رفعهم الله سبحانه وتعالى على قَدْر ما يكون عذابهم.

ومَلْمَح آخر في قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ﴾[الأنعام: من الآية 44]، لا لهم كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾[الفتح]، فليس هذا كلّه في مصلحتهم، بل هو وَبَال عليهم، فلا تغترُّوا بها، فقد أعطاها الله عزَّ وجلّ لهم، وهم سيَبطرون بها، فتكون سببَ عذابهم.

﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾: أي: عودوا إلى مساكنكم وقصوركم وما كنتم فيه من النّعيم، لعلّ أحداً يمرُّ بكم فيسألكم: أين ما كنتم فيه من النّعيم؟ أين ذهب؟ لكن ما هم فيه الآن من الخزي سيُخرس ألسنتهم، ولن يقولوا شيئاً ممّا حدث، إنّما سيكون قولهم وسلوكهم:

«لا» ناهية

«تَرْكُضُوا» مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل والجملة مقول القول لفعل محذوف

«وَارْجِعُوا» الواو عاطفة

«ارْجِعُوا» فعل أمر وفاعله والجملة معطوفة

«إِلى ما» متعلقان بارجعوا

«أُتْرِفْتُمْ» ماض مبني للمجهول ونائب فاعل والجملة صلة

«فِيهِ» متعلقان بأترفتم

«وَمَساكِنِكُمْ» الواو عاطفة ومساكنكم اسم معطوف والكاف مضاف إليه

«لَعَلَّكُمْ» حرف مشبه بالفعل والكاف اسمها

«تُسْئَلُونَ» مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة خبر لعل

 

{وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي إلى نعمكم التي أَتْرَفَتْكُمْ.