﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾: ويا ليت كلّاً منهم يفعل هذا الفعل في نفسه، إنّما يتآمرون جميعاً على الحقّ ليفسدوه باللّعب واللّهو.
﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾: أي: يتناجَوْن بالإثم ويُسِرُّونه، والنَّجْوى أو التّناجي: خَفْض الصّوت، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ [المجادلة: من الآية 7]، فلا تظنّوا أنّكم مستورون عن الله عزَّ وجلّ، أو تُخْفون عنه شيئاً.
﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾: كأنّ سائلاً سأل: ومَن الّذي أسَرَّ؟ فأجاب: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، وكلمة: ﴿ظَلَمُوا﴾ عامّة في الظّلم، فقد ظلموا أنفسهم أوّلاً؛ لأنّ ظلمهم عائدٌ عليهم بالعذاب، والشّرك أعظم ظلم، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، ثمّ ظلموا النّاس ثانياً فأكلوا حقوقهم.
فما النّجوى الّتي أسرَّهَا القوم؟ ومَنْ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها؟ النّجوى هي قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾[المجادلة: من الآية 8]، فكيف عرف محمّدٌ عليه السّلام هذه المقولة، وقد قالوها في أنفسهم وأسرُّوها؟ ألم يكُن على هؤلاء أن يتنبَّهوا: كيف عرف عليه السّلام مقولتهم؟ وأنّ الّذي أخبره بما يدور هو ربُّه الإله الأعلى، الّذي لا تَخْفى عليه خافية، كان عليهم أن يلتفتوا إلى ربّ محمّد عليه السّلام، الله الإله الحقّ الّذي يعلم خَبْءَ كلّ شيء فيرتدعوا عَمَّا هم فيه، وممّا جاء في تناجيهم:
﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾: فأنكروا أن يكون رسولاً؛ لأنّه بشر، والرّسول لا بُدَّ أن يكون ملكاً حسب زعمهم.
﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ﴾: فسمُّوا القرآن الكريم سِحْراً؛ لأنّهم يروْنَ السِّحر يُفرِّق بين الابن وأبيه، والأخ وأخيه.
﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾: أنّ القرآن الكريم يفعل مثل هذا.