الآية رقم (148) - لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا

هنا يتبيّن لنا بأنّ الإسلام يحارب كلّ ما يؤذي الإنسان أو يضرّه أو يسيء إليه، سواءً أكان مادّياً بجسده أم بفعلٍ من الأفعال، وحتّى السّوء من القول يحرّمه الإسلام ولا يرضاه لأتباعه.

أراد الله سبحانه وتعالى أن يحمي آذان المجتمع من أقوال السّوء بشكلٍ عامٍّ، وأن يتربّى الطّفل في أسرته وينشأ وهو يستمع دائماً إلى أحسن الأقوال حتّى لا تصدر عنه إلّا أحسن الأفعال. فاللّغة بنت المحاكاة والإنسان لا يتحدّث إلّا بما يسمع، فإذا سمع الطّفل في بيته وأسرته الكلام البذيء والسّيّء فلا بدّ أن ينطق به، ولو عدنا تدريجيّاً حتّى نصل لأبي البشر آدم عليه السَّلام -وهو أوّل مخلوقٍ على وجه الأرض- وتساءلنا: كيف تكلّم؟ لا بدّ أنّه سمع من الله عزَّ وجل عندما قال جلّ وعلا: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة], وأوّل ما يتمّ تعلّمه هو الأسماء، فعندما نريد تعليم الكلام للطّفل نقول له: هذا كوبٌ.. هذه شجرةٌ.. هذه محفظةٌ.. هذه نظّارةٌ، وبعدها تلحق بالأسماء الأفعال، والله سبحانه وتعالى علّم آدم عليه السَّلام الأسماء كلّها -هذه شمسٌ، وهذا قمرٌ، هذه سماءٌ، هذه أرضٌ..- وبعد أن سمعها تكلّم عليه السَّلام، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾، حمايةً للمجتمع من التّعرّض للسّوء من القول، يقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»([1])، فأين أولئك الّذين يتحدّثون بأنّ الإسلام دين إرهابٍ أو دين عنفٍ أو دين قسوةٍ أو دين تطرّفٍ؟! كيف يصحّ ذلك؟ إذا كان الإسلام لم يحرّم فقط الدّماء والأموال والنّفس البشريّة: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: من الآية 32]،  بل حرّم أيضاً الجهر بالسّوء من القول، لكي لا يعتاد الإنسان على كلمة السّوء أو يصدر عنه أيّ فعل سوءٍ بحقّ أحد، حتّى ولو كان بالنّسبة لأقرب النّاس إليه؛ لأنّه بعد ذلك سينسحب إلى باقي المجتمع.

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ: يحب فعل مضارع ولفظ الجلالة فاعل والجهر مفعول به والجار والمجرور متعلقان بالجهر ولا نافية

مِنَ الْقَوْلِ: متعلقان بمحذوف حال من السوء

إِلَّا مَنْ ظُلِمَ: من اسم الموصول مبني على السكون في محل نصب على الاستثناء وإلا أداة استثناء وقيل أداة حصر فاسم الموصول على ذلك في محل جر بالإضافة أي: إلا جهر من ظلم. وظلم فعل ماض مبني للمجهول والجملة صلة الموصول

وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً: كان ولفظ الجلالة اسمها وسميعا وعليما خبراها والجملة مستأنفة.

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ: أي لا يحب من أحد ذلك بمعنى أنه يعاقبه عليه

والجهر: الإعلان إِلَّا مَنْ ظُلِمَ أي فلا يؤاخذه بالجهر به، بأن يخبر عن ظلم ظالمة، ويدعو عليه.

وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً: لما يقال

عَلِيماً: بما يفعل.