لنلاحظ هنا ملاحظةً مهمّةً فعندما أمر الله سبحانه وتعالى الأبناء بالإحسان إلى الوالدين قال سبحانه وتعالى ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: من الآية 23]، حتّى كلمة أفّ حرّمها، لذلك قال الإمام عليّ كرّم الله وجهه: “لو علم الله في العقوق كلمةً أدنى من أفٍّ لحرّمها، فليعمل العاقّ ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة، وليعمل البارّ ما شاء أن يعمل فلن يدخل النّار”.
فالله سبحانه وتعالى لا يحبّ الجهر بالسّوء من القول بشكلٍ عامٍّ، وطلب الإحسان بالقول من النّاس وإلى النّاس وإلى البشريّة جمعاء، وحمى آذان المجتمع من أقاويل السّوء، لكنّه استثنى، والمستثنى هنا بإلّا: ﴿إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾ هنا سيقول قائلٌ: إنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾
فكيف يعطي لمن ظُلم هذا الحقّ بأن يقول ويرفع صوته بالسّوء؟ هنا نبيّن أمراً مهمّاً، فهناك فارقٌ بين الأمر الّذي يطلبه الله سبحانه وتعالى ويأمر به وبين الأمر الّذي يضعه الله سبحانه وتعالى إباحةً بين يدي الإنسان، وهذا الأمر فقط لمنع إشاعة الظّلم، أي للوقوف في وجه الظّلم وعدم الاعتداء من قبل أحد، يقول سبحانه وتعالى في الحديث القدسيّ: «يا عبادي إنّي حرمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا»([2]).
﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾: ذكرنا سابقاً أنّه عندما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ﴾أي أنّه سبحانه وتعالى ليس من عالم الأغيار، فالزّمان والمكان مخلوقان من مخلوقات الله تبارك وتعالى لا ينطبقان على خالق الإنسان.