الآية رقم (69) - قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ

جاء هذا الأمر من الحقّ الأعلى سبحانه وتعالى؛ ليخرق بالمعجزة نواميس الكون السّائدة، ولا يخرق النّاموسَ إلّا خالقُ النّاموس، كما قلنا في قصّة موسى عليه السّلام: الماء قانونه السّيولة والاستطراق، ولا يسلبه هذه الخاصيّة إلّا خالقه؛ لذلك فَرَقه لموسى عليه السّلام فُرْقاناً -كما قلنا- كلُّ فِرْق كالطَّوْد العظيم، فلا يُعطّل قانون الأشياء إلّا خالقها؛ لأنّ الأشياء لم تُخلق لتكون لها القدرة على قيُّوميّة نفسها، بل مخلوقة تُؤدِّي مهمّة، ومَن خلقها للمهمّة هو القادر أنْ يسلبَها خواصّها، وفَرْقٌ بين فِعْل العبد وفِعْل الرّبّ سبحانه وتعالى، فلو أنَّ في يدك مسدّساً، وأنت تُحسِن التّصويب، وأمامك الهدف، ثمّ أطلقتَ اتّجاه الهدف رصاصة، أَلَكَ تحكُّمٌ فيها بعد ذلك؟ أيمكن أنْ تأمرها أن تميلَ يميناً أو شمالاً فلا تصيب الهدف؟ بالتّأكيد لا تستطيع، لكنّ الحقّ سبحانه وتعالى يتحكّم فيها، ويُسيِّرها كيف يشاء، فالحقّ سبحانه وتعالى خلق النّار وخلق فيها خاصّيّة الإحراق، وهو وحده القادر على سَلْب هذه الخاصّيّة منها، فتكون ناراً بلا إحراق، فليس للنّار قيّوميّة بذاتها، ولكن بمقوّمها، لذلك يقول بعض العارفين: بمجرّد أنْ صدر الأمر: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا﴾ انطفأت كلّ نارٍ في الدّنيا، فلمّا قال: ﴿عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ أصبح الأمر خاصّاً بنار إبراهيم دون غيرها، فاشتعلت النّيران عدا هذه النّار، ونلحظ أنّ الله سبحانه وتعالى قيَّد قوله: ﴿بَرْدًا﴾ بـ (سلاماً)؛ لأنّ البرد المطلق يؤذي.

«قُلْنا» ماض وفاعله والجملة مستأنفة

«يا» حرف نداء

«نارُ» منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب

«كُونِي بَرْداً» أمر ناقص واسمه وخبره

«وَسَلاماً» معطوفة على بردا وجملة يا نار.. مقول القول

 

{كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا} أي وسلامةً. لا تكوني بردًا مُؤْذِيًا مضرًّا.