الآية رقم (1) - قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

نزلت هذه الآية في خولة بنت ثعلبة عندما ظاهر منها زوجها أوس بن الصّامت أخو عبادة بن الصّامت، والقصّة أنّ أوساً رآها تصلّي فأعجبته، فلمّا قضت صلاتها دعاها ليقضي حاجته منها فامتنعت، فقال لها: أنت عليّ كظهر أمّي، وهذا الظّهار يمين يُعدّ أشدّ من يمين الطّلاق، ويعني أنّك حرِّمت عليّ، وكانت هذه الكلمة عند العرب أشنع من كلمة الطّلاق؛ لأنّه شبّه زوجته بأمّه، وأمّه محرّمة عليه، فلمّا قال أوس هذه الكلمة، قالت خولة بنت ثعلبة: والله لا تقربنّي حتّى أعرض الأمر على رسول الله ﷺ، فذهبت إلى رسول الله ﷺ وقالت: يا رسول الله، إنّ أوساً ظاهر منّي؛ يعني قال لها: أنت عليّ كظهر أمّي، وقد أخذني وأنا جميلة والآن قد كبرت سنّي، ولي منه أولاد إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا، وهذا هو المراد بقوله سبحانه وتعالى: ﴿تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾، فكان رسول الله ﷺ كلّما قالت شيئاً من ذلك قال لها: «مَا أَعْلَمُكِ إِلَّا قَدْ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ»، هي تشتكي لرسول الله ﷺ، وتعرض أمرها ليحنّ لحالها، وهو ﷺ لا يملك إلّا أن يقول لها: «مَا أَعْلَمُكِ إِلَّا قَدْ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ»، وينتظر حكم السّماء في هذه الواقعة الّتي لم يسبق لها مثيل في مجتمع من المجتمعات، وبالفعل كانت خولة تحت نظر الله سبحانه وتعالى وسمعه، وما إن انتهت من عرض شكايتها على رسول الله ﷺ حتّى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآيات الّتي تحمل حكم الظّهار، وتحمل الرّحمة لا لخولة وحدها، وإنّما للنّساء جميعاً: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾، وسمّيت السّورة كلّها باسم المجادِلة وهي خولة بنت ثعلبة تكريماً لها وردّاً لاعتبارها، ونزلت السّورة لتحرّم هذا القول وتشنّعه، فلا يصحّ أن يقول الإنسان لزوجته: أنت عليّ كظهر أمّي، فالأمّ الّتي ولدته ولها فضل كبير عليه لا يصحّ أن تُشَبَّه زوجته بها؛ لأنّ الظّهر هنا بمعنى العلوّ، ومن الشّناعة أن يذكر الإنسان ذلك في حقّ أمّه.

﴿قَدْ﴾: تدلّ على التّحقيق والتّأكيد.

وكلمة: ﴿قَوْلَ﴾ دلّت على أنّه سمع على الحقيقة، وليس المراد بالسّمع هنا: أجاب، لا، بل سمع على الحقيقة، روي عن السّيّدة عائشة رضي الله عنها أنّ سيّدنا رسول الله ﷺ كان عندها لما جاءته المجادِلة -خولة-، وأنّها كانت تسرّ إلى رسول الله ﷺ قولها، حتّى أنّ السّيّدة عائشة رضي الله عنها لا تكاد تسمع شيئاً من قولها مع أنّها كانت قريبة منها، لكنّ الله سبحانه وتعالى سمع قولها من فوق سبع سموات.

﴿الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾: من الجدال، وهو الأخذ والرّدّ، فهي تقول ورسول الله ﷺ يردّ عليها، فهي تجادل رسول الله ﷺ، ورسول الله يجادلها.

﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾: أمّا الشّكوى فليست لرسول الله ﷺ، بل هي لله جل جلاله؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي يفرّج عنها وينزل فيها حكماً يرضيها، ويرحم ضعفها، ويرحم معها ضعف النّساء كلّهنّ، فمن أراد مفارقة زوجته فللمفارقة سبيلها وهو الطّلاق المشروع، أمّا الظّهار فأمر لا يليق بالمؤمنين.

﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾: فهو سبحانه وتعالى سميع بصير أزلاً؛ أي: قبل أن يخلق الخلق الّذين سينشأ منهم ما يُبصَر وينشأ منهم ما يُسمَع، فالحقّ سبحانه وتعالى سميع لما يقال، بصير بما يُفعَل، فالسّمع يتعلّق بالأصوات، والبصر يتعلّق بالأفعال، فهو سبحانه وتعالى سميع بصير لا يخفى عليه شيء.

«قَدْ سَمِعَ» حرف تحقيق وماض

«اللَّهُ» لفظ الجلالة فاعله والجملة ابتدائية لا محل لها

«قَوْلَ» مفعول به مضاف

«الَّتِي» مضاف إليه

«تُجادِلُكَ» مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صلة

«فِي زَوْجِها» متعلقان بالفعل.

«وَتَشْتَكِي» مضارع فاعله مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها

«إِلَى اللَّهِ» متعلقان بالفعل.

«وَاللَّهُ» لفظ الجلالة مبتدأ

«يَسْمَعُ» مضارع فاعله مستتر والجملة الفعلية خبر المبتدأ والجملة الاسمية حال.

«تَحاوُرَكُما» مفعول به.

«إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» إن واسمها وخبراها والجملة الاسمية تعليلية.

{تُجَادِلُكَ} … تُرَاجِعُكَ، وَهِيَ: خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ.

 {زَوْجِهَا} … أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ