الآية رقم (35) - قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ

أجابه ربّه تعالى: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾؛ لأنّ موسى عليه السلام قال في موضع آخر: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾[طه]، وقوله تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ تعبير بليغ يناسب المطلوب من موسى عليه السلام؛ لأنّ الإنسان يزاول أغلب أعماله أو كلّها تقريباً بيديه، والعضلة الفاعلة في الحمل والحركة هي العَضد، فالمعنى: سنُقوِّيك بقوّة مادّيّة.

﴿وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰناً﴾: هذه هي القوّة المعنويّة، وهي قوّة الحجّة والمنطق والدّليل، فجمع الله تعالى لهما: القوّة المادّيّة، والقوّة المعنويّة، لذلك قال بعدها:

﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا﴾: أي: نُنجيكم منهم، لكنّ معركة الحقّ والباطل لا تنتهي بنجاة أهل الحقّ، إنّما لا بُدَّ من نُصرْتهم على أهل الباطل، وفَرْق بين رجل يهاجمه عدوّه فيغلق دونه الباب، وتنتهي المسألة عند هذا الحدّ، وبين مَنْ يجرؤ على عدوّه ويغالبه حتّى ينتصر عليه، فيكون قد منع الضّرر عن نفسه، وألحق الضّرر بعدوّه، وهذا هو المراد بقوله تعالى: ﴿أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ﴾، وهكذا أزال الله تعالى عنهم سلبيّة الضّرر، ومنحهم إيجابيّة الغَلَبة، ونلحظ توسّط كلمة: ﴿بِـَٔايَٰتِنَآ﴾ بين العبارتين: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا﴾ و﴿أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ﴾، فهي سبب فيهما: فبآياتنا ومعجزاتنا الباهرات ننجيكم، وبآياتنا ومعجزاتنا ننصركم، فهي كلمة واحدة تخدم المعنيين، وهذا من وجوه بلاغة القرآن الكريم، ومن عجائب ألفاظ القرآن الكريم كلمة النّجم في قوله تعالى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ [الرّحمن]، فجاءت النّجم بين الشّمس والقمر، وهما آيتان سماويّتان، والشّجر وهو من نبات الأرض، لذلك صلحت النّجم بمعنى نجم السّماء، أو النّجم بمعنى النّبات الصّغير الّذي لا ساقَ له، مثل العُشْب الّذي ترعاه الماشية في الصّحراء.