﴿قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: يردّ إبراهيم: لقد جئتكم بالحقّ الّذي يقول: إنّ هذه الأصنام لا تُعبد، بل الّذي يستحقّ العبادة هو الله ربُّ السّموات والأرض، فـ ﴿قَالَ﴾ إضراب عمّا قبلها، وإثبات الحكم لما بعدها.
﴿الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾: يعني: خَلق السّموات والأرض والأصنام، وكلّ ما في الوجود.
﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾: والشّاهد هو الّذي اهتدى إلى الحقّ، كأنّه رَأْي العَيْن، وليس مع العين أَيْن، واهتدى إلى الدّليل على هذا الحقّ، فقال: أنا شاهد على أنّ ربّكم ربّ السّموات والأرض ومعي الدّليل على هذه الحقيقة، نلاحظ هنا الحوار بين الحقّ والباطل، والحوار بين الرّؤية العقليّة والعلميّة المقنعة الّتي تحاكي وتخاطب العقل والعلم، وما بين التّقليد والجمود الّذي كان عليه القوم، فسيّدنا إبراهيم عليه السّلام هنا يحاور ويُناقش ويقول: ﴿بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾؛ أي: خلقهنّ، ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ يقدّم شهادة، فكيف وهو لم يشهد خلق السّموات والأرض؟ لقد شهد بالإيمان، عن طريق العقل، عن طريق آيات الله سبحانه وتعالى، عن طريق خلق الله عزَّ وجلّ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران]، فنحن نصل إلى الله عزَّ وجلّ من خلال خلقه وآياته ومن خلال المعجزات الّتي نثرها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون والدّالّة على عجيب صنعه سبحانه وتعالى، وهنا يناقش سيّدنا إبراهيم عليه السّلام الجمود بالعقل والعلم، وهكذا الحوارات كلّها بين الأنبياء ومن آمن معهم وبين الـمشـــركين الّذين صدّوهم، فالّذين يصدّون عن الحقّ هم الّذين لا يُعمِلون العقل، والأنبياء كلّهم جاؤوا بالحقّ، والحقّ هو الأقوى، فإن لم تستطع أن تقول الحقّ فلا تُصَفِّق للباطل.