﴿قَالَتْ﴾: وتعرض بلقيس رأيها:
﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾: ذلك لأنّهم يريدون مُلْكاً، فينهبون كلّ ما يمرُّون به، بل ويُخرّبون ويفسدون، لماذا؟ لأنّه ساعةَ يصل الملِك الـمُغِير لا يضمن النّصر؛ لذلك يُخرِّب كلّ شيء، حتّى إذا ما عرف أنّه انتصر، وأنّ الأمور قد استقرّتْ له يحافظ على الأشياء ولا يُخرّبها.
﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾: لأنّ الملْك يقوم على أنقاض مُلْك قديم، فيكون أصحاب العزّة والسّيادة هم أوّل مَنْ يُبدأ بهم؛ لأنّ الأمر أُخِذ من أيديهم، وسوف يسعَوْن لاستعادته، ولا بُدَّ أنْ يكون عندهم غَيْظ ولَدَد في الخصومة.
﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾: للعلماء في هذا القول كلام، فمنهم مَن قال: إنّه من كلام بلقيس، وكأنّه تذييل لكلامها السّابق، لكن ماذا يضيف ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ بعد أن قالت: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾؟! فالرّأي الصّواب أنّ هذه العبارة من الحقّ عزَّ وجلَّ ليُصدِّق على كلامها، وأنّها أصابت في رأيها، فكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية، ممّا يدلّ على أنّ الحقّ عزَّ وجلَّ ربّ الخلْق أجمعين، إذا سمع من عبد من عبيده كلمة حقّ يؤيّده فيها، ولا يهضمه حقّه.