الآية رقم (4) - فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ

﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾: أي: لم يجد رقبة يعتقها.

﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾: التّتابع؛ أي: التّوالي دون فاصل يفصل الصّيام، إلّا إذا أفطر لعذر شرعيّ، فلا يعدّ فاصلاً.

﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ﴾: أي: الصّيام المتتابع.

﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾: يحاول أن يصعّب العقوبة لتكون رادعة ليقتلع جذور هذه العادة السّيّئة من ألسنة النّاس.

﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾: حدود الله سبحانه وتعالى أوامره ونواهيه، قال جل جلاله فـي الأوامر: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾[البقرة: من الآية 229]، وقال في النّواهي: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾[البقرة: من الآية 187].

والحدّ: هو الفاصل بين شيئين، وحدود الله سبحانه وتعالى هي الّتي تفصل بين الحلال والحرام، ومنه قوله جل جلاله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾؛ أي: يجعلون هواهم في جانب وأوامر الله سبحانه وتعالى في جانب آخر، فسمع الله سبحانه وتعالى قول المجادِلة وأجابها بأن أنزل في شأنها قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، وجعل للظّهار حكماً لازماً وكفّارة رادعة، فليس مجرّد سماع، ونحن نقول عندما نرفع من الرّكوع: سمع الله لمن حمده؛ أي: سمع وأجاب؛ لأنّه سبحانه وتعالى قال: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، والقاعدة الفقهيّة أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب، فلو كان الحكم خاصّاً بخولة لاقتصر عليها، إنّما هو حكم عامّ للنّساء، وكان الظّهار في الجاهليّة يمثّل أشدّ أنواع الفرقة بين الرّجل وزوجته، حين يقول لها: أنت عليّ كظهر أمّي؛ لأنّ الأمّ هي أوّل المحرّمات من النّساء، قال سبحانه وتعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النّساء: من الآية 23]، فليس أشنع من هذا الموضوع، وعلينا أن نعلم أنّ كفّارة الظّهار في الإسلام جاءت حفاظاً على العلاقة بين الرّجل وزوجته، وحفاظاً على حقوق المرأة، ولا بدّ أن نقف عند قوله سبحانه وتعالى في كفّارة الظّهار: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾، بأنّ الرّقّ لم يعد موجوداً الآن، لكنّه كان موجوداً في ذلك الوقت، وعتق رقبة؛ يعني: أنّ الإسلام جاء من أجل تحرير العبيد، فقد جاء الإسلام والرّقّ موجود في المجتمع، فضيّق هذه المصادر، وبعد أن ضيّق منابع الرّقّ وسّع مصارفه ليقضي عليه تماماً، ولننظر إلى الكفّارات الّتي فرض الله سبحانه وتعالى فيها عتق الرّقاب، والرّقاب عامّة سواء أكانت مؤمنة أم غير مؤمنة، لذلك حينما نستقرئ القرآن الكريم لا نجد إلّا آية واحدة مشروط فيها تحرير رقبة مؤمنة، في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[النّساء: من الآية 92]، أمّا في آية اليمين وكفّارته فيقول جل جلاله: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: من الآية 89]، ولم يقل: (مؤمنة)، لذلك علّق أبو حنيفة على هذا وقال: قيّدها هناك بشرط الإيمان وأطلقها هنا، فدلّ على أنّها تكون حتّى للكافر، فالإسلام في كثير من المسائل لا يفرّق بين المؤمن والكافر، إنّه دين عامّ هدفه إصلاح الدّنيا، ونذكر قصّة الدّرع الّذي سرقه طعمة بن أبيرق وخبّأه عند زيد بن السّمين اليهوديّ، فاتّهموا اليهوديّ بالسّرقة وأرادوا تبرئة المسلم، وحاولوا إقناع رسول الله ﷺ بهذا حتّى مال إلى هذا الرّأي، وكان هدفهم ألّا يُتَّهم مسلم بالسّرقة ويُفتَضح أمره، فنزل الوحي مباشرة على رسول الله ﷺ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾[النّساء: من الآية 105]، ولم يفرِّق بين مؤمن وكافر، ﴿وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾[النّساء: من الآية 105]؛ أي: لا تدافع عن الخائن حتّى إن كان مسلماً؛ لأنّ العدالة الإلهيّة لا تفرّق بين العباد.

نلاحظ في كفّارة الظّهار التّرتيب بين عتق الرّقبة، ثمّ الصّيام، ثمّ الإطعام، ليأخذ كلّ ما يناسبه، وأيضاً ليكون أمام الفقهاء فسحة لجعل هذه الكفّارة رادعة، لذلك روي عن منذر بن سعيد -أحد فقهاء الأندلس- لـمّا حلف الخليفة عبد الرّحمن النّاصر يميناً وأراد له كفّارة، فقالوا له: إطعام عشرة مساكين، فلمّا علم المنذر بن سعيد بهذه الفتوى قال: أو يُزجَر أمير المؤمنين بأن يُطعم عشرة مساكين، وهو يُطعم كلّ يوم كذا وكذا؟ إنّما يُزجَر بالصّيام، فأخذ روح الحكم ولم يأخذ نصّه. وبعد أن بيّن الله سبحانه وتعالى حكم الظّهار وكفّارته قال:

﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾: أي: الأوامر والنّواهي، والحدّ كما ذكرنا هو الفاصل بين شيئين، فإن كان الحدّ بينك وبين الله سبحانه وتعالى فهو مرفوض.

﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: أي: الّذين لا يقفون عند حدود الله عز وجلَّ، ولا يعملون بما حدّه الله سبحانه وتعالى لعباده، فهؤلاء لهم عذاب أليم، وهو عذاب جهنّم، وسمّي صنيعهم هذا كفراً تغليظاً وتشديداً، فالّذين لم يؤمنوا ولم يلتزموا بأحكام هذه الشّريعة، ووقفوا عند حدود الله سبحانه وتعالى فلا يعتقدنّ أحد أنّهم ناجون من حساب الله سبحانه وتعالى وعقابه، فليس الأمر كما زعموا، بل لهم عذاب أليم في الدّنيا وفي الآخرة.

«فَمَنْ» اسم شرط مبتدأ

«لَمْ يَجِدْ» مضارع مجزوم بلم فاعله مستتر

«فَصِيامُ» الفاء رابطة وصيام مبتدأ خبره محذوف

«شَهْرَيْنِ» مضاف إليه

«مُتَتابِعَيْنِ» صفة شهرين والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط وجوابه خبر من

«مِنْ قَبْلِ» متعلقان بصيام

«أَنْ يَتَمَاسَّا» مضارع منصوب بأن والألف فاعله والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر بالإضافة.

«فَمَنْ» الفاء حرف عطف اسم شرط مبتدأ

«لَمْ يَسْتَطِعْ» مضارع مجزوم بلم

«فَإِطْعامُ» الفاء رابطة

«إطعام» مبتدأ خبره محذوف والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر من.. وجملة فمن لم.. معطوفة على ما قبلها

«سِتِّينَ» مضاف إليه مجرور بالياء

«مِسْكِيناً» تمييز

«ذلِكَ» مبتدأ

«لِتُؤْمِنُوا» مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والواو فاعله والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها

«بِاللَّهِ» متعلقان بالفعل

«وَرَسُولِهِ» معطوف على ما قبله

«وَتِلْكَ حُدُودُ» مبتدأ وخبره

«اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة معطوفة على ما قبلها.

«وَلِلْكافِرِينَ» خبر مقدم

«عَذابٌ» مبتدأ

«أَلِيمٌ» صفة عذاب والجملة معطوفة على ما قبلها.