فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين
﴿فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰت﴾: أي: بمعجزاتنا واضحات باهرات، فلمّا بُهِتوا أمام آيات الله تعالى، وحاروا كيف يخرجون من هذا المأزق، فقد جاءهم موسى عليه السلام ليهدم عرش الألوهيّة الباطلة عند فرعون، ولم يملكوا إلّا أنْ قالوا: ﴿مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٌ مُّفۡتَرًى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ﴾، لذلك يُعلِّم الحقّ تعالى موسى عليه السلام مُحَاجَّة هؤلاء، فكأنّه قال له: أنت مُقبل على أُنَاس متمسّكين بالباطل، حريصين عليه، منتفعين من ورائه، ولا بُدَّ أنْ يغضبوا إنْ قضيتَ على باطلهم، وصرفتهم عنه إلى الحقّ، فقد أَلِفُوا الباطل، فإنْ أخرجتَهم ممّا أَلِفوا إلى ما لا يألفون، فلا بُدَّ لك من أن تستخدم اللّين حتّى لا تجمع عليهم قسوة تَرْك ما ألِفوه مع قسوة الدّعوة إلى ما لم يألفوه، ويكفي أنّك ستسلب فرعون سلطان الألوهيّة الّذي عاشوا في ظلّه، فإنْ زِدْتَ في القسوة عليهم ولّدْتَ عندهم لدداً وعناداً في الخصومة، لذلك قال تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾[طه]، يعني: لربّما بالنّسبة إليكما يلين ويتذكّر أو يخشى، وإنْ قابلوك هم بالقسوة حين قالوا: ﴿مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٌ مُّفۡتَرًى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ﴾، ومع ذلك قابلهم أنت باللّين يا موسى.