الآية رقم (16) - فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى

كأنّ الحقّ تبارك وتعالى يُعطي لموسى عليه السلام مناعة لما سيقوله الّذين يُشكِّكون في الآخرة ويخافون منها، وغرضهم أنْ يكون هذا كذباً فليست الآخرة في مصلحتهم، ومن حظّهم إنكارها، فإيّاك أنْ تصغي إليهم يا موسى حين يصدّونك عنها؛ لأنّهم سيصدّونك عنها، وسيقولون: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ [الصّافّات]، ولماذا يستبعد هؤلاء الآخرة؟ أليس الّذي خلقهم مِنْ لا شيء بقادر على أنْ يعيدهم بعد أن صاروا عِظاماً؟ والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الرّوم: من الآية 27]، فلماذا يصدُّ الكفّار عن الآخرة، والإيمان بها؟ لأنّهم يعلمون أنّهم سَيُجازون بما عملوا، وهذه مسألة صعبة عليهم، ومن مصلحتهم أن تكون الآخرة كذباً، وصدق أبو العلاء المعرّي حين قال:

زَعَمَ المنجِّمُ والطبيبُ كِلَاهُمَا
إنْ صَحَّ قَولكُمَا فلسْتُ بخَاسِرٍ                     .
لَا تُحْشَرُ الأَجْسَادُ قُلْتُ: إليْكُمَا أَوْ صَحَّ قَوْلِي فَالخسَارُ عليكُمَا
.

أي: أنّ المؤمن بالبعث إن لم يكسب فلن يخسر، أمّا أنتم أيّها المنكرون فخاسرون.

﴿فَتَرْدَى﴾: أي: تهلك، من الرّدَى، وهو الهلاك.

آلهته هي هواه وشهواته ومصالحه وفساده.

وهكذا جاء الكلام من الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام أوّلاً: البداية إيماناً بالله عزَّ وجلَّ وحده لا شريك له، وهذه القمّة الأولى، ثمّ جاء بالقمّة الأخيرة، وهي البعث، فالأمر منه بداية وإليه نهاية﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ [طه: من الآية 14]، إلى أنْ قال: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾[طه: من الآية 15].

وبعد ذلك شرح لنا الحقّ سبحانه وتعالى بَدْء إيحائه لرسوله موسى عليه السلام بكلامٍ تمّ بين الله سبحانه وتعالى وبين موسى الكليم عليه السلام:

«فَلا» الفاء الفصيحة لا ناهية

«يَصُدَّنَّكَ» مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وهو في محل جزم بلا الناهية ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب والكاف مفعول به

«عَنْها» متعلقان بيصدنك

«مَنْ» اسم موصول فاعل

«لا يُؤْمِنُ» لا نافية يؤمن مضارع فاعله مستتر

«بِها» متعلقان بالفعل والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها صلة موصول

«وَاتَّبَعَ هَواهُ» الواو حرف عطف وماض فاعله مستتر وهواه مفعول به والهاء مضاف إليه

«فَتَرْدى» الفاء فاء السببية وتردى مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية وفاعله ضمير مستتر