هذا اليوم يجب أن نحتاط له حيطة كبرى، وأن نترقّبه؛ لأنّه يومٌ عظيم، والحقّ تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾[الحجّ].
﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ﴾: كيف تقون أنفسكم وتحمونها من يومٍ عظيم مهول كهذا إنْ كفرتم بالله عز وجل ولم تؤمنوا به وبرسوله وكتابه؟ وهو يوم آتٍ لا محالة، فبأيّ شيءٍ تتحصّنون من عذاب ذلك اليوم، وكيف تنجون منه إنْ كفرتم في الدّنيا؟ والحقّ تعالى يصف لنا هذا اليوم العظيم الشّديد بقوله:
﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾: فالشّيب لا يوجد في الدّنيا للولدان الصّغار، إنّما يوجد للإنسان بسبب كِبَره في السّنّ غالباً، ولكن في هذا اليوم العظيم يرى الوليد ما يشيب له شعره من النّار والعذاب والجحيم، فيجعلهم ذلك اليوم شيوخاً، وذلك حين يُقال لآدم عليه السلام -كما أخبر النّبيّ ﷺ-: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟، قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»([1])، فهذا اليوم العظيم: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾، وشيباً هنا جمع شائب، وشايب؛ أي: الرّجل أو المرأة الّتي شاب شعرها فابيضّ، فإنّما تشيب الولدان من شدّة هَوْل وكَرْب هذا اليوم.
([1]) صحيح البخاريّ: كِتَابُ أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ، بَابُ قِصَّةِ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ، الحديث رقم (3348).